مع بداية العام الجاري، أصدرت منظمة الصحة العالمية قائمة بالتهديدات الصحية التي ستواجه أفراد الجنس البشري خلال العقد الجديد. ومن بين قائمة تضمنت 13 تهديداً، احتلت ثلاثة تهديدات أهمية خاصة، هي: مكافحة الأمراض المعدية، والاستعداد والتحضير للأوبئة، والاستثمار في العاملين في القطاع الصحي، كخط دفاع أول ضد المخاطر الصحية.
وكأن المنظمة الدولية تنظر من خلال كورة بلورية، سرعان ما ظهر خطر صحي ماحق، في شكل مرض معد في طريقه للتحول إلى وباء عالمي، تعتمد حالياً معظم دول العالم على أفراد الطاقم الطبي في كبح جماحه، والحد من تبعاته التي قد تكون وخيمة.
فعلى صعيد الأمراض المعدية، ذكرت المنظمة في قائمتها تلك أن أمراضاً مثل الأيدز، والسل، والتهاب الكبد الفيروسي، والأمراض المنقولة جنسياً، تقتل أكثر من 4 ملايين شخص سنوياً، معظمهم في الدول الفقيرة. وبالتوازي مع ذلك، تقتل أيضاً الأمراض التي يمكن الوقاية منها من خلال التطعيمات الطبية ملايين الأشخاص هي الأخرى، مثل فيروس الحصبة الذي يحصد حياة أكثر من 140 ألف شخص سنوياً، معظمهم من الأطفال. وفي الوقت الذي أصبح فيه العالم على وشك القضاء النهائي على فيروس شلل الأطفال، شهد العام الماضي 156 حالة إصابة، وهو الرقم الأعلى منذ عام 2014. وتتضمن الأسباب الجذرية خلف استمرار الأمراض المعدية في حصد ملايين الأرواح سنوياً: فقدان التمويل الكافي لمكافحتها، وضعف نظم الرعاية الصحية في أماكن توطن هذه الأمراض، وتقاعس الدول الغنية عن تحمل مسؤولياتها في المكافحة.
ويفاقم هذا الوضع برمته، بالإضافة إلى باقي القضايا والمخاطر الصحية، ضعف الاستثمار المزمن في التعليم، والتدريب، وتوظيف العاملين في قطاع الرعاية الصحية، بالترافق مع انخفاض الرواتب والمزايا التي يتلقونها، وهو ما أدى إلى نقص حاد في العاملين في المهن الطبية في غالبية دول العالم. وهو ما يهدد خدمات الرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية، واستدامة النظم الصحية من الأساس. حيث تشير التقديرات إلى أن العالم سيحتاج إلى 18 مليون إضافيين من العاملين في قطاع الرعاية الصحية بحلول عام 2030، خصوصاً في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، 9 ملايين منهم من الممرضات والقابلات.
وإذا ما انتقلنا للحديث عن احتواء أوبئة الأمراض المعدية، فسنجد أن العالم بمختلف أطيافه، ينفق على الاستجابة للأوبئة المرضية، وعلى الكوارث الطبيعية، وباقي الطوارئ الصحية، أكثر مما ينفق على الوقاية منها وعلى الاستعداد لها حال وقوعها. وعلى ما يبدو فإن الحكمة القائلة بأن درهم وقاية خير من قنطار علاج، لا تجد آذاناً صاغية لدى الكثيرين.
وفي نبوءة تقشعر لها الأبدان، شبيهة بنبوءات «نوستراداموس»، وقبل أن يصبح فيروس كورونا الجديد محل قلق العالم، صرّحت منظمة الصحة العالمية ضمن قائمة التحديات الصحية التي ستواجه البشرية خلال العقد القادم، بأن وباءً عالمياً فيروسياً جديداً، سريع الانتقال وشديد العدوى (من ضمن أنواع فيروس الإنفلونزا) يفتقد غالبية البشر المناعة الكافية ضده.. هو أمر واقع لا محالة. وتضيف المنظمة في نبوءتها تلك بأن السؤال ليس ما إذا كان سيتعرض العالم لوباء جائح، بل السؤال هو: متى سيقع مثل هذا الوباء، والذي سينتشر بسرعة؟
وعلى ما يبدو فإن إجابة هذه الأسئلة أصبحت جلية في الآونة الأخيرة، في ظل تواتر الأخبار خلال الأيام والساعات الأخيرة حول فيروس كورونا الجديد الذي ظهر قبل بضعة أسابيع في مدينة ووهان الصينية. فحتى تاريخ كتابة هذا المقال، تمكن الفيروس من قتل 41 شخصاً، وإصابة 1400، حسب البيانات الرسمية الصينية. ولدرجة أن الرئيس الصيني «شي جين بينغ» صرّح في اجتماع له مع كبار المسؤولين الحكوميين أن انتشار الفيروس «يتسارع» وأن الوضع أصبح «جسيماً»، حسب ما نقله التلفزيون الرسمي الصيني يوم السبت الماضي. هذا في الوقت الذي يتزايد فيه على مدار الساعة عدد الدول التي وصل إليها الفيروس، لتشمل حتى هذه اللحظة: تايلاند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، وفيتنام، وسنغافورة، ونيبال، والولايات المتحدة، وفرنسا، وأستراليا. ويتوقع لهذه القائمة أن تزداد طولا خلال الأيام والساعات القليلة القادمة، بحيث لن يصبح ركناً من أركان المعمورة بمنأى عن هذا الفيروس الخطير. وبذلك تكون نبوءة منظمة الصحة العالمية قد صدقت بجميع أجزائها، ما عدا أن الفيروس المتوقع سيكون أحد أنواع فيروس الأنفلونزا.

*كاتب مهتم بالقضايا الصحية والعلمية