قبل خمسة أشهر، تحالفت «حركة خمس نجوم» الشعبوية مع «الحزب الديمقراطي» (يسار الوسط) من أجل إخراج شريكها السابق في الائتلاف ماتيو سالفيني من السلطة. غير أن انتخابات إقليمية ستُجرى هذا الأسبوع في القلب اليساري للبلاد ستُظهر إلى أي مدى فشلت تلك التجربة.
منطقة «إيميليا -رومانيا» تدعم اليسار منذ الحرب العالمية الثانية، حتى في الوقت الذي كانت تدعم فيه بقية إيطاليا «الديمقراطيين المسيحيين» أو سيلفيو برلسكوني. و«إيميليا الحمراء»، التي تُعد سادس أكبر منطقة في إيطاليا من حيث عدد السكان وإحدى أغنى مناطق البلاد، هي أيضاً واحدة من أهم خزائن المال بالنسبة لليسار. ويمكن القول إن تصويت بوسطن في الولايات المتحدة لـ«جمهوري» سيكون مفاجأة أقل من أن تختار «إيميليا» حاكماً إقليمياً من اليمين المحافظ.
غير أن «رابطة» سالفيني وشركاءها من يمين الوسط متعادلون في السباق مع «الحزب الديمقراطي» قبل انتخابات إقليمية حاسمة يوم غد الأحد . ومن شأن الفوز في هذه الانتخابات أن يشكل أهم نصر انتخابي لسالفيني حتى الآن، وأن يعزز دوره كـ«رئيس لوزراء إيطاليا مستقبلا»، كما من شأنه أن يصعّب على خصومه محاولاتهم منعَه من المنصب.
وسيسعى الائتلاف الحاكم جاهداً إلى الحفاظ على تماسكه من أجل تجنّب انتخابات وطنية جديدة، لكن القِطع بدأت تتساقط منذ بعض الوقت. فـ«لويدجي دي مياو» يستعد للمغادرة كزعيم لـ«خمسة نجوم» بعد سلسلة من خيبات الأمل الانتخابية، وقبل نتيجة انتخابات «إيميليا- رومانيا».
والواقع أن صعود سالفيني منذ الصيف الماضي كان متوقعاً من عدة نواح؛ ذلك أن «خمس نجوم» و«الديمقراطيين» كانا يتبادلان الشتائم منذ سنوات، وكان واضحاً أنهما اختارا تشكيل حكومة معاً لأنهما يخشيان أن تؤدي انتخابات جديدة إلى وصول ائتلاف يميني إلى السلطة. وكانت «الرابطة» فقدت الدعم في استطلاعات الرأي لبضعة أسابيع، لكنها استطاعت استعادة قوتها من جديد. وإلى جانب حلفائها في حزبي «إخوان إيطاليا» و«فورسا إيطاليا»، تسيطر «الرابطة» على نحو 50? من أصوات البلاد، وفق أحدث استطلاعات الرأي.
وكانت إخفاقات حكومة «خمس نجوم- الديمقراطيين» أكثر لفتاً للنظر؛ فميزانيتها لعام 2020 كانت مبنية على مجموعة من التراجعات في السياسات، وهو ما لم يخلق مجالا مالياً كبيراً لتمرير خفض حقيقي للضرائب أو لزيادة الإنفاق، وقد أعطى الانطباع بأننا إزاء حكومة مترددة وغير واثقة من نفسها. وفي السياسة الخارجية، فقدت إيطاليا كل نفوذ لها في ليبيا، حيث كانت تلعب تقليدياً دوراً مهماً، كما لوحظ في المحادثات الرامية إلى وقف الأعمال الحربية في البلاد. فرئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي ووزير خارجية الائتلاف دي مايو كانا لاعبين خفيفي الوزن في الوقت الذي قرر فيه لاعبون من حجم روسيا وتركيا التدخل.
أما بخصوص الهجرة، فتبدو الحكومة جد خائفة من إلغاء القرارات القاسية التي مرّرها سالفيني عندما كان وزيراً للشؤون الداخلية. وفضلا عن ذلك، فإن الحكومة لا تستطيع اتخاذ قرار بشأن قائمة طويلة من القضايا الصناعية، من مستقبل شركة الخطوط الجوية المفلسة «أليتاليا»، إلى شركة الفولاذ الغارقة في المشاكل «إيلفا»، إلى مصير امتيازات استغلال الطرق السريعة الإيطالية. غير أنه مما يحسب للحكومة دورها في المساعدة على خفض كلفة الاقتراض، التي كانت ارتفعت بشكل صاروخي خلال المراحل الأولى من حكومة «الرابطة- خمس نجوم» السابقة. لكن يبدو أن هذا شيء يصعب تسويقه كإنجاز وحيد لكتلة ناخبة باتت محبَطة ومستاءة على نحو متزايد.
سالفيني ما زال بعيداً جداً عن تقديم رد منسجم على مشاكل إيطاليا التي تتراوح بين تراجع نمو الإنتاجية وتفشي عدم المساواة بين المناطق والأجيال. وهو يقول إن «الرابطة» لا تريد التخلي عن اليورو، لكن أجزاء من برنامجه الاقتصادي تبدو غير متناغمة مع قواعد المساعدات المالية الخاصة بمنطقة اليورو. ولئن كانت احتمالات حكومة إيطالية جديدة تخيف المستثمرين، فإنها سترغم سالفيني على إيضاح الاتجاه الذي يريد أن يسلكه.
«الحزب الديمقراطي» و«خمس نجوم» يدفعان إيطاليا إلى أحضان سالفيني. وبغض النظر عما سيحدث نهاية هذا الأسبوع في إيميليا- رومانيا، فإنها تبدو مسألة وقت فقط قبل أن يتولى اليمين السلطة.

*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»