تركيا في ليبيا.. مشهد غريب يثير تساؤلات من بينها: هل هذا تشابك مصالح أم تقاطع أدوار، أم امتداد نفوذ؟! يحدث هذا الاختراق للسيادة الليبية، من جانب تركيا، في وقت يسعى فيه الجيش الوطني الليبي إلى استكمال بسط سيطرته على كامل الأراضي الليبية.
لو أخذنا مقطعا من ثلاثة أبعاد من الساحة الليبية، قبل دخول الأتراك على خط المواجهة نجد أوروبيا هناك فرنسا وإيطاليا تلعبان في السياسة الليبية على الأرض.
وعربياً نرى مصر ومعها دول إقليمية أخرى، تحث الخطى لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، ودخلت مؤخراً على الخط دول أخرى، بعد أن اجتمعت الأطراف المتصارعة في موسكو للتوصل إلى وقف إطلاق النار دون الحاجة إلى اجتياح طرابلس.
مع تفاقم هذا الوضع، دخل الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه ألمانيا لطرح مؤتمر برلين من أجل التوصل إلى حل سلمي يرضي الأطراف المتحاربة ومعها الدول التي تتداخل مصالحها مع الأطراف الليبية.
الاتفاق الأمني التركي والليبي باسم الدفاع عن الشرعية المنقوصة برلمانيا ضاعف من تفاقم الأزمة الحالية، وزاد الطينة بلة بتحرك القوات التركية وفقاً لتلك الاتفاقية الأمنية.
لكن بالمقابل لم يتم الاتفاق على الهدنة خاصة أن حفتر يرفض مشاركة تركيا في الإشراف على وقف إطلاق النار
وبناء عليه، غادر موسكو من دون التوقيع على اتفاق وقف النار في ليبيا.
وعلى ضوء ذلك أعلن مستشار البرلمان الليبي عن أن مفاوضات موسكو انتهت بلا اتفاق. ومن المهم معرفة مواقف الدول الغربية حول مجريات الأحداث في ليبيا لأنها مؤثرة وفاعلة في آن واحد، ومن ذلك ما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك لبوتين وميركل. الرئيس الروسي قال: أدعو إلى وقف لإطلاق النار بين قوات حكومة الوفاق والجيش الليبي، لدينا معلومات بأن مرتزقة تم نقلهم من ريف إدلب إلى ليبيا وناقشت هذا الموضوع مع الرئيس التركي، نأمل ألا تقع حرب شاملة في الشرق الأوسط لأنها ستكون كارثة إنسانية على العالم أجمع، نأمل أن تتوقف الأعمال القتالية في ليبيا استجابة للدعوة الروسية التركية.
والمستشارة الألمانية قالت إن المباحثات الروسية التركية بشأن ليبيا يمكن أن تكون لها آثار مثمرة، على السراج وحفتر أن اضطلعا بدور إيجابي لحل الأزمة الليبية.
أما وقد عقد مؤتمر«برلينُ ليبيا»، فإننا نرى من نتائجه العملية إخراج ليبيا من براثن الإرهاب والإرهابيين ووضع الأمم المتحدة أمام المسؤولية العالمية، حتى لا ينفلت زمام الأمور كما هو الوضع في سوريا، وترك المساحة لليبيين مع أشقائهم العرب من المغاربة والمشارقة لبناء أسس الاستقرار والسلام بعيدا عن التدخلات الأجنبية الضارة بمصالح الوطن الليبي.
فلقد بادر الرئيس الجزائري بإعلانه عن استعداد بلاده لاحتضان الحوار الليبي مع رفضه فرض الأمر الواقع بالقوة في ليبيا.
هذا وقد غرد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حول الشأن الليبي أثناء اجتماعه في «برلين» بميركل قائلاً: «.. ناقشنا تعميق شراكتنا الإستراتيجية.. وتعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ودعم جهود إرساء السلام في ليبيا.. نأمل أن يعم الأمن والاستقرار والعيش بسلام في ربوع ليبيا، وأن يحقق مؤتمر برلين تطلعات الشعب الليبي الشقيق».
هذا نداء رجل يدرك أهمية السلام عندما يستقر في جذور المجتمعات، فيخرج زرع التنمية من خلاله نماء وعطاء وهناء بدلا من شقاء عدم الاستقرار وعناء الفوضى المرعبة.
ونتابع صدى هذا المطلب للسلم والأمن والاستقرار الملح من خلال تغريدات قرقاش في الشأن الليبي عندما أشار إلى أن: «المتابع لمؤتمر برلين حول ليبيا يدرك أن حضور مصر والجزائر والإمارات والجامعة العربية ضمان ضروري.
إن البعد العربي حاضر وبقوة في مساعي البحث عن السلام والاستقرار في هذا البلد العربي الشقيق، تهميش الدور العربي، كما هو الحال في سوريا، درس قاس لن يتكرر. ندعم مؤتمر برلين ومخرجاته ونسعى مع المجتمع الدولي والدول العربية الشقيقة إلى حل سياسي نحو السلام والاستقرار، أزمات العالم العربية العديدة والممتدة لن تطفئها التدخلات الإقليمية والدور العربي ضروري ضمن جهود المجتمع الدولي والأمم المتحدة».
هذا التكالب التركي على ليبيا يستدعي تحركاً عربياً عاجلاً لوقف هذا الزحف غير المعهود في دولة عربية تئن من الضغوط «الميليشياوية» على عمق الوطن الليبي.