إذا أمعنت النظر، فقد تجد جانباً مضيئاً في النتيجة التي خرج بها مؤتمر برلين، بشأن الحرب الدائرة في ليبيا: على الأقل لم يغادر قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر قبل انتهاء المؤتمر، كما حدث في الأسبوع السابق، عندما ترك موسكو دون استئذان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قادرة على التصرف بلباقة مع الجميع، فاستمروا حتى نهاية المؤتمر والموافقة على اتفاق حاولت ميركل ببسالة إبرازه كتقدم، وقالت إنه «خطة شاملة للمضي قدماً»، وأكدت أن «جميع المشاركين عملوا معاً بشكل بنّاء حقاً».
لقد أثبت قائد الجيش الوطني الليبي، حين رفض التوقيع على اتفاق أعدّه بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأقنعا حكومة الوفاق الوطني الليبية في طرابلس برئاسة فايز السراج بالموافقة عليه.. أنه لم يكترث لضغوط الأوروبيين، بشأن صادرات النفط من الموانئ الخاضعة لسيطرة قواته. ولم يكن الأوروبيون بقيادة المستشارة ميركل، والولايات المتحدة ممثلة بوزير خارجيتها مايك بومبيو، قادرين حتى على استخراج التزام ثابت من حفتر بإعادة فتح الموانئ النفطية. وكل ما حصلوا عليه من حفتر والسراج معاً، هو اتفاق على إجراء مزيد من المحادثات، حيث يقوم كل منهما بتعيين فريق يتكون من خمسة أشخاص لإجراء اجتماعات في جنيف.
وحاول بومبيو، كما كان الحال مع ميركل، بذل جهد لتصوير نتائج المؤتمر على أنها نجاح مظفر، فقال وهو يغادر برلين: «تم إحراز تقدم نحو التوصل إلى هدنة ووقف تام لإطلاق النار والتنازل مؤقتاً. لكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به».
والحقيقة أنه ليس هناك الكثير مما يمكن للأوروبيين والأميركيين القيام به، أو مما هم مستعدون لإنجازه في ليبيا. فالنفوذ هناك الآن يعود إلى أيدي قوى أخرى غير غربية.
وفي برلين، قال كل أولئك اللاعبون إنهم يريدون السلام، وإنهم ملتزمون بإنهاء دعمهم العسكري للأطراف المتحاربة، ووقّعوا اتفاقيةً لتعزيز الحظر الذي سبق أن فرضته الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى ليبيا. كما كانت هناك خطط لفرض المراقبة الدولية على وقف إطلاق النار.. وهي كلها وعود مألوفة، لكنها بلا آليات تنفيذية. هذا فيما بدأ يتضح أن الرئيس التركي أردوغان ليس في وارد التراجع عن طموحاته في ليبيا؛ فعشية مؤتمر برلين، أكد أردوغان مجدداً التزامه بإرسال قوات تركية لمساعدة حكومة «الوفاق» في طرابلس. ومما زاد الأمور تعقيداً أن أنقرة أرسلت بالفعل مئات من المرتزقة السوريين إلى ليبيا.
ولعل روسيا تواجه ما يشبه المأزق في ليبيا؛ حيث يتساءل كثيرون ما إذا كانت موسكو ستستطيع التزام الحياد أمام معركة مباشرة بين قوات الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر من جهة، والقوات التركية ومرتزقتها السوريين من جهة أخرى؟
يحدث ذلك، بينما تقوض حدودُ ليبيا الطويلة، سيئة الحراسة، أي جهود لفرض حظر على الأسلحة، مما يظهِر هشاشة أهم محور لنتائج ومقررات مؤتمر برلين.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»