روّج حزب «الإخوان» ردحاً من الزمن، في تشويه صارخ للتاريخ، لبطولات فانتازية للعثمانيين وفتوحاتهم وأفضالهم في نشر الإسلام وتوسيع بلاد المسلمين، بينما الحقيقة خلاف ذلك تماماً، فقد كانوا غزاة بغاة تذرّعوا بـ«الفتوحات الإسلامية» في بلاد الإسلام ومهده كمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي احتضنت الرسالة المحمدية وانتشر منها، فكيف يدخلها طغاة عثمانيون كالغازي الباطش «فخري باشا» بذريعة الفتح الإسلامي، وهي مهد الإسلام؟ أوليس هو وجنوده مَن نكَّلوا بأهلها قتلاً وتجويعاً وتهجيراً، حتى جعلوها أطلالاً ينعق فيها البوم؟
وكانت مصر مهداً للحضارة الإسلامية، وقد تحطمت خلف أسوار القاهرة وقلعتها أحلام أشرس الغزاة وأطماع أقوى المحتلين والبغاة، وحين استطاع اقتحامها العثمانيون جاء انهيارها لثلاثة قرون متتالية تخللها الفقر والظلام والتخلف ومصادرة المكتبات والمؤلفات والعقول الرائدة من مفكرين ومبدعين إلى الأستانة، فانتقلت حضارة مصر ونهضتها إلى بلادهم بتلك العقول التي تم تصديرها، وبقيت مصر تحت الحكم العثماني حتى بلغت أضعف مراحلها.
يقول السلطان العثماني «سليم الأول» حين عزم على غزو بلاد العرب بخرافة الفاتح: «وما التاريخ إلا أقوام تحكم وأقوام تُحكم، ولا يملأ الفراغ إلا الخرافات، ومَن يملك الخرافة يملك الحقيقة». و«سليم الأول» طاغية قتل جميع أفراد أسرته وهم (والده وإخوته وأبناؤهم) خشية أن ينازعوه على الحكم، وأقر الخرافة والسحر والشعوذة لتسيير سياسته الغاشمة. فالكذب وتشويه التاريخ صناعة عثمانية قديمة، أي منذ قرر «سليم الأول» تحقيق أحلامه التوسعية تحت ذريعة الفتوحات الإسلامية وبناء دولة الخلافة المزعومة، فحمل الراية بعده أحفاد أكملوا مسيرة صناعة التاريخ زوراً واستطاعوا غزونا فكرياً بطريقة ناعمة دخلت كل بيت في العالم العربي بمسلسلات مدلّسة حرّفت التاريخ بابتداع شخصيات بطولية فانتازية كشخصية «ارطغرل» التي لم تكن سوى خرافة وأسطورة صنعها العقل التركي الذي لاتزال تعشش فيه حتى يومنا هذا أحلام التوسع عن طريق غزو عقول البلهاء من بني جلدتنا.
اليوم، وفي محاولة لتدوير الماضي، يسعى الرئيس التركي أردوغان لتجديد احتلال تركيا لليبيا بنشر جنوده ومرتزقته فيها من «إخوان» وعملاء، زاعماً أن ليبيا جزء من الدولة العثمانية وأنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام النزاع الدائر فيها، فتعود تركيا اليوم لتدخل ليبيا تحت ذرائع كاذبة، لتعود بنا عجلة التاريخ سريعاً إلى عام 1551 وبداية الغزو العثماني الغاشم ضد ليبيا التي حكموها جوراً بالحديد والنار، وبأساليب البطش والنهب والتعذيب والإفقار وفرض الإتاوات والضرائب.. هذا عدا عن جرائم «القرمانلي» الذي ارتكب أكبر الجرائم والمذابح بحق قبائل الجوازي وحقب تاريخية من العذابات انتهت ببيع ليبيا للاستعمار الإيطالي بثمن بخس، وجميعنا نعلم ما حل بليبيا بعد هذه الصفقة الإجرامية الشهيرة!
كلمة أخيرة..
أيها التاريخ.. العثمانيون غزاة كالمغول والتتار، وليسوا فاتحين!