أنهى مؤتمر برلين حول الأزمة في ليبيا أعماله مساء الأحد 19 يناير الجاري، وطالب المجتمعون فيه أطراف الصراع بالالتزام بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا، وبالعمل على الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة القائمة.
وقد عكست نوعية الحاضرين لمؤتمر برلين، ومستوى الحضور، مدى الأهمية التي يوليها العالم (وخاصة أوروبا) للموضوع الليبي، إذ ضمت قائمة الحضور قادةً ومسؤولين سامين من كل من فرنسا وإيطاليا وروسيا والإمارات ومصر والجزائر وتركيا، بالإضافة إلى ممثلة الاتحاد الأوربي ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا.
ولم يكن متوقعاً من مؤتمر برلين يأتي بالحل الكامل للأزمة الليبية، لكنه مثّل بداية جيدة لذلك الحل. وكان الهدف الأساسي من المؤتمر هو التعامل مع مواقف الدول الإقليمية الداعمة لطرفي النزاع في ليبيا، وليس التعامل مع مواقف طرفي النزاع، للخروج بضمانات لتفعيل اتفاقية حظر بيع السلاح للأطراف المتنازعة هناك، في ظل التدخلات الخارجية والانقسامات المؤسسية وانتشار السلاح دون رقابة واستمرار اقتصاد السلب والنهب.. مما يمثل تهديداً للسلام والأمن الدوليين، حيث يوفر كل ذلك تربة خصبة للمهربين وللجماعات المسلحة والمنظمات الإرهابية، الأمر الذي سمح بالفعل لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» بالتواجد في الأراضي الليبية وتنفيذ عمليات داخلها وفي عدد من دول الجوار. إن حالة الفوضى التي حوّلت ليبيا إلى دولة فاشلة، جعلت منها بؤرة صراع تهدد الحدود الجنوبية لأوروبا على الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط.
وكان قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر قد غادر موسكو، الأسبوع الماضي، دون التوقيع على مشروع وثيقة تحدد شروط الهدنة في ليبيا تحت رعاية روسية تركية، مشترطاً تسليم المليشيات المسلحة في طرابلس أسلحتها إلى جيش الوطني الليبي، ومبيدياً حذره من إعطاء أي شرعية للوجود التركي في ليبيا الداعم لحكومة السراج بالسلاح والمقاتلين الأجانب، خاصة بعد ما تأكد أن تركيا تنقل عناصر سورية إلى ليبيا للقتال فيها.
ولا شك أن تفكُّك الدولة الليبية سيضعف الرقابة على حدودها وسيتيح لعصابات الإرهاب والتهريب حرية الحركة واستخدام سواحلها الممتدة على البحر المتوسط بطول 1850 كيلومتراً، مما يقلق دول الجوار ويهدد أمن البلدان الأوروبية القريبة، خصوصاً إيطاليا ذات الخاصرة الرخوة. وقد أظهرت السنوات القليلة الماضية أن السواحل الليبية هي البوابة الثانية التي يعبرها المهاجرون الأفارقة. وهكذا يصبح استقرار ليبيا حاجة ليبية وإقليمية ودولية لا تسمح بترك البلاد للانزلاق نحو وضع يشبه وضع الساحة السورية.
لقد وضع مؤتمر برلين أُسساً لحل ممكن بتعاضد المجتمع الدولي وإبعاد التفرد التركي بليبيا، حيث يطمح أردوغان لجبر انكساراته في سوريا وتعويض خسائره في الداخل التركي نفسه. ومن الواضح أنه لم يحقق بغيته في نتائج مؤتمر برلين، حيث ستتم مراقبة التحرك التركي باتجاه ليبيا عن كثب من قبل الدول المعنية بالمتابعة. وقد أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نجاح مؤتمر برلين، وأشادت في معرض حديثها حول مواقف الإمارات ومصر وروسيا بإسهام هذه الدول «في توحيد موقف أوروبا من ليبيا».
وعلى الهامش، نقول إن القضايا التي تتولاها الأمم المتحدة، تصبح رهينة لمصالح الدول الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، فتتداخل حساباتها مع مصالح الدول المعنية بالحل، وخاصة في بلد مثل ليبيا حيث المساحة الكبيرة والموقع الاستراتيجي على الأبيض المتوسط وما تختزنه أراضيها من طاقة (النفط والغاز)، ليتم تدوير زوايا المشكلة، فيطول الحل!

*سفير سابق