يستعد لبنان لموجة أعمق من الاضطرابات بعد أحداث الشغب التي شهدتها البلاد في العاصمة بيروت نهاية الأسبوع الماضي، والتي أشارت إلى أن حركة الاحتجاج التي كانت يوماً ما سلمية دخلت مرحلة جديدة خطيرة.
أكثر من 400 شخص تلقوا علاجاً للإصابات التي مُنيوا بها بعد أسوأ ليلة من العنف منذ خروج اللبنانيين إلى الشوارع في شهر أكتوبر للمطالبة بحكومة جديدة قادرة على إخراج البلاد من أزمة اقتصادية ومالية حادة.
أول أمس أطلقت الشرطة الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين الذين يقومون برشق الحجارة، والألعاب النارية وغيرها من المقذوفات.
كان المزاج الجديد القاتم واضحاً. وهتف المتظاهرون في وسط بيروت «لا سلمية، لا سلمية. هذه ثورة وليست أغنية»، في تناقض واضح مع شعار «سلمية، سلمية»، الذي اتسمت به الأيام الأولى للثورة، عندما تحولت المظاهرات الضخمة ضد الحكومة إلى حفلات رقص.
وانضمت قوات مدججة بالسلاح إلى شرطة مكافحة الشغب، يحمل بعضها صواريخ تطلق من على الكتف.
وحسب «مها يحيى»، مدير مركز كارنيجي للشرق الأوسط «يتم دفع لبنان إلى حافة الفوضى والغوغائية. هذا بلد ينحدر اقتصادياً، وهناك إحباطات متزايدة بين الشباب، وقد تخرج الأمور عن السيطرة بسرعة كبيرة. إنها مسألة وقت فقط».
كما تخاطر الاضطرابات بتوريط لبنان في منافسة متسارعة على النفوذ الإقليمي بين الولايات المتحدة وإيران، وكلاهما لديه حلفاء بين الجماعات المتنافسة في النظام السياسي المتشابك في لبنان، والذي يسعى المتظاهرون إلى إصلاحه.
ومن جانبها، أدانت منظمة «هيومان رايتس ووتش» ومقرها نيويورك ما وصفته باستخدام «القوة المفرطة» من قبل الشرطة لتفريق المتظاهرين. وأدى وابل من القنابل المسيلة للدموع إلى انتشار الدخان الخانق في الشوارع، وأظهرت مقاطع الفيديو المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي أن الشرطة أطلقت الرصاص المطاطي مباشرة على المتظاهرين.
ومع ذلك، بات واضحاً أن المتظاهرين سعوا إلى التصعيد، حيث حذر بعض الشباب الذين وصلوا إلى الموقع في وقت سابق المتفرجين من أنهم يخططون لمهاجمة قوات الأمن، وأنهم هاجموا خطوط الشرطة بالألعاب النارية والصخور والأشجار المقتلعة وأصُص النباتات.
وقال المحتجون إنهم قرروا اتباع نهج أكثر قوة في جهودهم لممارسة ضغوط على النخبة في البلاد بعد فشل ثلاثة أشهر من المظاهرات السلمية في جلب حكومة جديدة أو أي تخفيف للأزمة المالية والاقتصادية في البلاد. فقد تراجعت قيمة العملة اللبنانية بمقدار النصف في غضون ثلاثة أشهر، ومُنِع الأشخاص العاديون من الحصول على مدخراتهم حيث يسعى البنك المركزي إلى تجنب حدوث انهيار مالي.
كما توقفت الشركات عن دفع الرواتب، بينما تنفد العقاقير الحيوية من المستشفيات، وأوشك الناس على الجوع بسبب توقف الاقتصاد عن العمل.
وقال «بشار الحلبي»، محاضر في الجامعة الأميركية في بيروت والذي يدعم الاحتجاجات «لقد وصل الناس إلى نقطة اللاعودة. فقد احتجوا سلمياً لمدة 90 يوماً، ولم ينصت أحد إليهم»
وأعرب بعض المتظاهرين عن قلقهم من أن المتسللين يسعون إلى تحويل المظاهرات إلى التطرف ودفعها نحو العنف لتبرير القمع الصارم من جانب السلطات وردع المواطنين العاديين عن المشاركة. ورافق التحول نحو تكتيكات أكثر حدة انخفاض ملحوظ في أعداد المتظاهرين.
يقول «إلياس»، أحد المحتجين «يوجد محرضون هنا. إنهم أشخاص ليسوا مع الاحتجاجات ويريدون إلصاق سمعة سيئة بنا».
يذكر أنه كانت هناك حالات عنف في بعض الاحتجاجات في العام الماضي بعد أن خرج مؤيدو «حزب الله» و«حركة أمل» الشيعية في الشوارع لتحدي المتظاهرين.
وفي الوقت نفسه، تمارس جماعة «حزب الله» ضغطاً لتسريع التأكيد على تشكيل حكومة جديدة بقيادة مرشحها «حسان دياب»، وهو أستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت وسبق له أن شغل منصب وزير التعليم، لكنه ليس معروفاً في البلاد.
«حزب الله» كان يأمل في أن يؤدي تعيين «دياب» إلى تلبية مطالب المحتجين بحكومة تستبعد النخب السياسية التقليدية التي يلقى عليها باللائمة على نطاق واسع كونها السبب في انزلاق البلاد إلى الضائقة المالية.
ولكن مع تسريب أسماء مقترحة غير مألوفة لشغل مناصب الوزراء الجدد إلى الصحافة، اكتشف اللبنانيون أن الأسماء المقترحة  مدعومة من شخصيات نافذة. ويبدو من غير المرجح أن يلبي الإعلان المتوقع لحكومة دياب مطالب المحتجين أو شروط المجتمع الدولي لتقديم مساعدات اقتصادية ومالية تشتد الحاجة إليها.
ليز سلاي
مديرة مكتب «واشنطن بوست» في بيروت المعنية بأخبار سوريا ولبنان والعراق
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»