أصبح الإعلام الإلكتروني، أو إعلام الإنترنت، أو ما يطلق عليه وصف «الإعلام الجديد»، السمة الأساسية للحياة المعاصرة، وقد تعاظم دور هذا النوع من الإعلام في ظل التطورات المذهلة التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة. وفي ظل هذا الطغيان الكبير لوسائل الإعلام الإلكتروني، فإنه قد مثّل تحدياً صارخاً لوسائل الإعلام التقليدية؛ من صحف ورقية ومجلات دورية وقنوات تلفزيونية وغيرها، الأمر الذي دفع القائمين على الإعلام التقليدي إلى تطوير أدواتهم والتفاعل الإيجابي مع هذا التحدي، فأطلقت الصحف العالمية الكبرى نسخاً إلكترونية لها.
وفي ظل ما تمتلكه دولة الإمارات العربية المتحدة من بنية تكنولوجية متقدمة للغاية، كان هذا الرواج الكبير لوسائل الإعلام الإلكتروني في الدولة، التي تتنوع بشكل هائل، لتشتمل المواقع الإلكترونية الإخبارية على تعدد طبيعة المواد التي تقدمها، من سياسية واقتصادية واستراتيجية وأمنية وثقافية وصحية وغيرها، تضاف إليها مواقع التواصل الاجتماعي التي تتم إدارة صفحاتها من قِبل مؤسسات إعلامية.
ومما لا شك فيه أن وسائل الإعلام الجديد أحدثت ثورة عارمة في مجال التواصل ونقل الأخبار، بشكل لم يكن يتصوره عقل قبل سنوات ليست ببعيدة، وقد وظف الإعلام الإلكتروني التطور التكنولوجي المتسارع على النحو الأمثل، واستفاد منه بشكل متعاظم. وعلى الرغم من العائدات الإيجابية الهائلة التي وفّرها إعلام الإنترنت، فإنه في المقابل، كانت هناك العديد من السلبيات التي نجمت عن هذا التنامي الكبير في وسائل الإعلام الجديد، ومن أخطرها استخدام منصات هذا الإعلام لترويج الفكر المتطرف والإرهاب، وإشاعة الكراهية وغيرها.
وقد فطنت دولة الإمارات العربية المتحدة مبكراً إلى الأخطار التي تترتب على التوظيف السيئ لوسائل الإعلام الجديد، فعملت على وضع القواعد التي تنظم كيفية استخدام الإعلام الإلكتروني على نحو إيجابي، وفي مارس 2018 أصدر المجلس الوطني للإعلام نظام الإعلام الإلكتروني الذي يهدف إلى تنظيم الإعلام الإلكتروني، والحرص على مراعاة القيم الدينية والثقافية والاجتماعية السائدة في الدولة، واحترام حرية الرأي والتعبير والتفاعل البنّاء، إلى جانب توفير محتوى إعلامي متوازن ومسؤول يحترم خصوصية الأفراد، ويحمي فئات المجتمع، بما في ذلك الأطفال، من أي تأثيرات سلبية محتملة، بعد أن بات الإعلام الإلكتروني يشكل مصدراً رئيسياً للأخبار والمعلومات بالنسبة لشريحة واسعة من أفراد المجتمع.
وفي ظل الاهتمام الكبير بالإعلام الإلكتروني من قِبل دولة الإمارات العربية المتحدة، استضافت دبي خلال هذا الأسبوع أعمال الاجتماع الخامس عشر للجنة العربية للإعلام الإلكتروني، التي أقامتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من خلال الأمانة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب بالتعاون مع «نادي دبي للصحافة» ومؤسسة «وطني الإمارات»، بتوصيات تعزز دور الإعلام الرقمي العربي. وقد ناقشت الاجتماعات التي عُقدت على مدار يومين في نادي دبي للصحافة آليات تنفيذ القرارات الصادرة عن الدورة العادية الـ50 لمجلس وزراء الإعلام العرب، التي جرت خلال شهر يوليو الماضي، بشأن «اللجنة العربية للإعلام الإلكتروني». إضافة إلى عدد من البنود المتعلقة بقضايا الإعلام الإلكتروني في المنطقة العربية، ومن بينها مشروع «مدوَّنة سلوك للإعلام الإلكتروني»، التي أعدتها لجنة من الخبراء والأكاديميين والجمعيات الأهلية الإعلامية بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وذلك في سياق التشاور للتصدي لما ينتج عن الإعلام الرقمي من قضايا تؤثر سلباً في الأمن المجتمعي العربي.
وقد توصل المشاركون في الاجتماع إلى جملة من التوصيات، كان من أبرزها الإشادة بالتجارب الناجحة المقدمة من دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الإعلام الإلكتروني، والدعوة إلى اعتبارها منهاج عمل للجنة، وتكليف الأمانة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب بتعميمها على الدول الأعضاء والمنظمات والاتحادات التي تمارس مهام إعلامية للاستفادة منها. ولا شك أن ذلك يؤكد ريادة دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الإعلام الإلكتروني.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.