تمر بالقارئ الكريم غير المتخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية بالتحديد عبارة «جميع الأوراق على الطاولة»، خاصة من قبل كبار السياسيين في الدول الكبرى والعظمى، وذلك عندما تواجههم مشاكل كبرى ومعقدة وصعبة الحلول مع دول تحمل لهم عداوة وتمارس أنماطاً من السياسات الاستفزازية تجاه مصالحهم في منطقة ما من مناطق العالم، فما هو أصل هذه العبارة؟ وما هي المعاني المقصودة من ورائها؟ سنحصر الحديث على العبارة عندما تستخدم في سياق علاقات الدول مع دول أخرى، ومحاولة خلق مقاربة بين ما يدور في الخليج العربي في عالم اليوم.
تعدو العبارة التي نتحدث عنها إلى وزير الخارجية البريطاني الأسبق «إيرنست بيفين» عندما وقف أمام مجلس «العموم» يتحدث عن خطر امتلاك الاتحاد السوفييتي آنذاك للسلاح النووي على أوروبا بشكل عام وعلى بريطانيا بشكل خاص في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبداية الحرب الباردة بين الشرق والغرب.
كان الخوف آنذاك يسيطر على دول أوروبا الغربية، وبالتحديد بريطانيا من نشوب حرب عالمية الثالثة يتسبب فيها الاتحاد السوفييتي بسبب تسلحه التقليدي والنووي، وامتلاكه أنواعاً عدة من الصواريخ الفتاكة والقادرة على حمل القنابل الذرية إلى أهدافها البعيدة. في ذلك الوقت كان السؤال الذي يطرح من قبل دول الغرب هو: «ما الذي يجب علينا أن نفعله تجاه ذلك التسلح الرهيب جملة وتفصيلاً؟». فوقف وزير الخارجية البريطاني مجيباً عن السؤال المطروح وقال: «علينا وضع جميع الأوراق على الطاولة ووجهها مكشوف إلى الأعلى»، قاصداً بذلك أوراق لعبة الورق المشهورة، وما يسمى فيها باللعب على المكشوف. ووفقاً للثقافة الشعبية الغربية كان مقترح «بيفين» مثالياً وواضحاً ومفهوماً جداً، فالمقارنة بين إدارة السياسة الخارجية ولعب الورق من قبل اللاعب المحترف المتمرس فيها لم يكن شيئاً معيباً أو مستفزاً.
ومن هناك بدأ الزخم الذي أخذته العبارة.
لكن في تقديرنا إذا كان للمقارنة المعقودة أن تبقى قائمة، فينبغي أن يبقى عاملان مهمان قائمان: الأول أن اللاعب الذي يحمل في يده مجموعة من الأوراق لا يستطيع اللعب بغيرها، وهي قد لا تكون الأوراق الرابحة التي يتمنى حاملها الفوز من خلالها، أو الأوراق التي يرغب اللعب بها أصلاً، الثاني، هو لأن الاحتمالات الممكنة تبقى كثيرة من زاوية الربح أو الخسارة، فإن ذلك يفرض على اللاعب أن يكون متأكداً بأنه يعرف قيمة الأوراق التي بيده، وأن يلعب بها بحرص شديد وبنزاهة.
لقد مرت منطقة الخليج العربي منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين بعدة حروب طاحنة، ولازالت الأوضاع فيها غير مستقرة، خاصة في إيران والعراق، لذلك هو لا يحتاج إلى حرب أخرى أو لمزيد من صب الزيت على النار من قبل دول بعينها. ورغم أننا لا نتوقع نشوب حرب قريبة، إلا أن التفاؤل بالمستقبل الذي كان سائداً منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي تبخر إلى حد ما نتيجة لما وقع من ثورة في إيران، وحرب بينها وبين العراق إلى غير ذلك من مشاكل آخرها ما يحدث الآن في العراق واليمن من مظاهرات وفوضى وعدم استقرار، أضف إلى ذلك ما هو حاصل من تدخلات أجنبية في عدد من دول الخليج ووجود لتلك القوات الأجنبية في العراق. هذه الأوضاع تبقى دول الخليج العربي المنضوية تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، وهي واضعة لجميع أوراقها على الطاولة، ووجهها إلى أعلى في الوقت نفسه الذي هي ملزمة فيه أن تلعب بتلك الأوراق بطريقة اللاعب الماهر جداً.
*كاتب إماراتي