في الأسبوع الماضي، تلقى الأميركيون بعض الأخبار الصحية الرائعة: استناداً إلى أحدث البيانات، تراجع عدد الوفيات بسبب السرطان بأسرع المعدلات على الإطلاق. وورد هذا في تقرير أصدرته الجمعية الأميركية للسرطان، وقد عزا ذلك التراجع إلى انخفاض معدلات التدخين، مما أدى إلى انخفاض عدد الوفيات الناجمة عن سرطان الرئة، وكذلك التقدم في الجراحة وعمليات التشخيص ووصول أدوية جديدة وفعالة. والأفضل من ذلك، أن تلك الأرقام تخص عام 2017، ويتوقع أن تتحسن مع التوسع في استخدام أحدث العقاقير والتقنيات الطبية.
لقد نمت معرفتنا بأمراض السرطان وقدرتنا على محاربتها بشكل كبير في العقود الأخيرة، وهذا الانخفاض في الوفيات هو أمر يدعو للابتهاج. لكن بقدر ما أستمتع بهذا الانتصار، يتعين عليّ الإشارة إلى أن هذه التقدمات العلمية والنتائج الجيدة في علم الأورام تتناقض بشكل حاد مع اتجاهات أخرى أهمها أن متوسط العمر المتوقع لحياة الأميركيين يتخلف عن نظيره في الدول المتقدمة، وأنه انخفض بشكل مباشر في السنوات الأخيرة، حتى مع زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية مقارنة بالبلدان الأخرى. ويوضح هذا الانفصال حجم الجهود التي يجب بذلها.
وأحد الأسباب الكبيرة وراء اندفاع شركات الأدوية نحو عقاقير السرطان والحصول على عدد قياسي من أدوية الأورام التي تم اعتمادها في السنوات الأخيرة، يتعلق بالأرباح، وهو أمر يتصل بكيفية عمل نظام الرعاية الصحية. تواجه عقاقير السرطان ضغطاً محدوداً في تعويض التكاليف بالنسبة للأدوية التي تستهدف أعداداً أكبر من السكان والحالات المزمنة. ولا يزال هذا صحيحاً حتى لو كانت أسعار القوائم عند الإطلاق تتجاوز بشكل منتظم 100,000 دولار لدورة العلاج. وقد زاد الإنفاق على هذه الفئة بأكثر من الضعف بين 2013 و2018 من 27.3 إلى 56.7 مليار دولار. لذا يمكنك أن ترى لماذا تفضل شركات الأدوية ضخ الأموال على الأبحاث الخاصة بالسرطان على علاجات لأمراض أخرى.
وعلى سبيل المثال، كان تطوير عقاقير جديدة للصحة العقلية والإدمان يكاد يكون متوقفاً مقارنة بعقاقير السرطان، حتى وإن كانت حالات الانتحار وجرعات المخدرات الزائدة تساهم في تراجع متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة. وقد توفي ما يقرب من 73,000 أميركي بسبب أمراض الكبد وغيرها من الأمراض المرتبطة بتناول المشروبات الكحولية في عام 2017، وهو أكثر من ضعف العدد المسجل في 1999. وسيصبح مرض الزهايمر سبباً بارزاً للوفاة وعبئاً مالياً كبيراً مع تقدم السكان في العمر، ومع ذلك فإن التقدم في التوصل لعلاجه محدود. ومقابل السخاء الأميركي في تعويض الشركات عن تطوير عقاقير متعددة للسرطان من نفس الفئة، فإن مطوري المضادات الحيوية، وهي الأدوية التي ربما نحتاج إليها لضمان بقاء النوع، مستمرون في الإفلاس. وما لم تقدم الحكومة مبالغ كبيرة لدعم الباحثين الذين يواجهون تحديات هائلة أو تغيير الحوافز لاستهداف مجالات لم تتم تلبيتها، فقد لا يتغير هذا الوضع.
والأمور المالية ليست سوى جزء من المعادلة. وبالتأكيد، ساعدت التكنولوجيا والأدوية الجديدة لعلاج السرطان على ترويض المرض، لكن يمكن القول إن جهود الصحة العامة تستحق المزيد من الاعتمادات للحد من معدلات الوفيات. فقد أدى الانخفاض بنسبة 30% في معدلات تدخين البالغين منذ الستينيات إلى تراجع كبير في عدد الوفيات بسبب سرطان الرئة وغيره من أنواع السرطان. ونظراً للتكلفة المرتفعة للعلاج في المستشفيات الأميركية والسعر والفاعلية المحدودة للعديد من الأدوية، تكون الوقاية دائماً أفضل من العلاج.
هناك الكثير من مبادرات التدخل المهمة التي تستحق المزيد من التمويل، بما في ذلك الجهود المبذولة للحد من السمنة وخفض معدلات الإصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي وفيروس الورم الحليمي البشري. وللأسف، فإن التفكير في المستقبل نادراً ما يعطيه النظام الأميركي الأولوية أو المكان الذي يتفوق فيه. والأموال التي يمكن أن تتدفق إلى تلك الجهود أو إلى ما قد يكون أهم قضية في مجال الصحة العامة، أي ضمان الحصول على الرعاية الأساسية وبأسعار معقولة، يتم امتصاصها بدلاً من ذلك بالأسعار المرتفعة وبالإنفاق التبذيري.
إن التراجع في الوفيات الناجمة عن السرطان يستحق الاحتفال به، لكن ليس من دون الاعتراف بالتكاليف الباهظة.

*كاتب متخصص في التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»