هل يمكن اعتبار اغتيال «سليماني» بعد «البغدادي» ورقة انتخابية لصالح ترامب «الجمهوري»، بعيداً عن صوت العزل وصدى عودة «الديمقراطيين» إلى الحكم؟
المشكلة الأساسية تكمن في التدخلات الخارجية، التي راح ضحيتها العراق كدولة، والعراقيون كشعب، فمنذ احتلال العراق عام 2003، وهو يعاني من تحوله إلى مسرح للصراعات، تارة تحت عنوان الإرهاب «القاعدي» ثم «الداعشي»، وأخرى بسبب صراع الأجندات، وتصفية الحسابات وتحركات من يريدون الانتقام من الماضي بقتل حاضر العراق ومستقبله.
كل العالم من حولنا، قال قولته الفاصلة في مقتل «سليماني»، وهو حدث يعكس في حد ذاته، مرحلة مواجهة بين المتصارعين على كعكعة العراق، وكلما ازداد افتراق أجندة الخصوم، اكتوى العراق بمزيد من نيران الصدام على أرضه وبمقدراته واستقراره.
العراق الآن، وخاصة بعد انتفاضة أبنائه ضد الأجندة الطائفية، وضد حكومة تكتسب دعمها من المحاصصة الطائفية، لاحت في أفقه إمكانية التغيير إلى الأفضل، لكن في ظل تحوله إلى ساحة معركة بين قوى عظمى وأخرى إقليمية، قد يعيده مرة أخرى إلى مآلات التوتر بمستوى أكثر خطراً.
المأمول أن يتأهل العراق لواقع أكثر استقراراً، وأن يكون بمنأى عن الأحزاب الطائفية، والميليشيات الرافضة لفكرة الدولة الوطنية، وأياً كانت مسميات هذه الميليشيات، فإنها تقتطع من أسس الدولة العراقية ومؤسساتها الأمنية.
الميليشيات المنفلتة عن عقال الدولة الوطنية، لن تحقق استقراراً في أي دولة، ولم تدافع عن حقوق مسلوبة، وحتى «فيلق القدس» لم يتجه يوماً إلى القدس، بل لا يزال سبباً في مشكلات باليمن والعراق ولبنان وإيران.
أميركا لم تتخلص من «سليماني» من أجل سواد عيون العراقيين، بل إن العملية تتعلق بسجالات المواجهة المباشرة وحروب بالوكالة بين خصمين لدودين.
وبما أن إدارة ترامب، أو بالأحرى الرئيس نفسه، قد دخل بالفعل عامه الانتخابي، طامحاً في حقبة رئاسية جديدة، فإن كثيراً من التطورات المقبلة في السياسة الأميركية، من الممكن تفسيرها بأنها قابلة للتوظيف ضمن الحملة الرئاسية.
ويبدو أن الولايات المتحدة، في ظل الإدارة الحالية عازمة على استهداف الميليشيات العراقية، وضمن هذا الإطار، أعلن بومبيو، عزمه تصنيف ميليشيا «عصائب أهل الحق» العراقية كمنظمة إرهابية أجنبية، بالإضافة إلى ذلك، قام الوزير بتصنيف الأخوين قيس وليث الخزعلي، كإرهابيين عالميين، وصرح قائلاً: (إن ميليشيا «عصائب أهل الحق» العراقية وقادتها هم عملاء عنيفون لإيران.. إنهم يستخدمون العنف والإرهاب لتعزيز جهود النظام الإيراني لتقويض السيادة العراقية).
من المهم أن نعرف رأي الصحفي البريطاني، «ديفيد باتريكاراكوسس، في مقتل قاسم سليماني، حيث وصف ذلك بأنه الاغتيال الأكثر أهمية في الشرق الأوسط في القرن الـ21، أما الجائزة الكبرى فكانت من نصيب ترامب، عندما غرّد على «تويتر» قائلاً: (95% هي نسبة تأييدي في الحزب الجمهوري، شكراً لكم).
لا تحتاج المنطقة مزيداً من التوتر، وهي التي غاصت فيه منذ عقود، والمأمول أن تهدأ حدة التصعيد، وتتشكل قناعات لدى الأطراف المتصارعة، بترك العراق، وتحييده بعيداً عن ساحة الاحتراب، وأن يتم التخلص من الميليشيات المنفلتة، والنأي عن المحاصصة الطائفية، والارتباط بالقوى الخارجية.