سيكون من التسرع الذي يصل إلى حد التهور أن يقْدم المرء على التكهن بما قد يحدث خلال العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك فإنه لا مانع من وضع بعض الافتراضات العامة بشأن أحداث العام الجديد (2020) الذي بدأ بالفعل. فستجري في الولايات المتحدة الأميركية الانتخابات التمهيدية داخل الحزبين الرئيسيين بدءاً من شهر فبراير المقبل لاختيار المرشحين الذين سيخوضون الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في شهر نوفمبر القادم. وسنعرف في ذلك الوقت ما إذا كان الرئيس الحالي دونالد ترامب سيحصل على فترة ولاية رئاسية ثانية أم لا، وما إذا كان «الحزب الجمهوري» سيستطيع الاحتفاظ بسيطرته على مجلس الشيوخ الأميركي. وإذا خسر ترامب الانتخابات وفاز «الديمقراطيون» بعدد كاف من المقاعد للسيطرة على كل من فرعي الكونجرس، فستحدث اضطرابات في السياسة الأميركية ومواقفها الحالية.
وفي منطقة الشرق الأوسط، إذا استمرت أعمال الاحتجاج والعنف في كل من لبنان والعراق ودول أخرى في المنطقة، فمن المحتمل أن تزداد احتمالات وقوع مزيد من الاشتباك العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية وبعض الجهات الأخرى في المنطقة من ناحية أخرى. وقد يكون هذا الخوف من اندلاع حرب أوسع نطاقاً هو الذي سيؤدي إلى تقوية الاعتدال وبذل محاولات من أجل التوصل إلى طريقة ما للعيش بين دول المنطقة، بيد أن هذا أبعد ما يكون عن التأكيد.
وبالمثل، فإن التوصل لاتفاق يحقق وقفاً لإطلاق النار في أفغانستان بين حركة «طالبان» من جهة والحكومة الأفغانية والولايات المتحدة من جهة ثانية، هو أمر ممكن إلى حد ما، لكن لا أحد يمكنه أن يتنبأ على وجه اليقين بما سيحدث فيما لو تم الانسحاب المقترح لمعظم القوات العسكرية الأميركية هناك. وما إذا كان يمكن لـ«طالبان» والحكومة الأفغانية أن تتفقا على آلية للعمل معاً بدون وجود عسكري أميركي قوي وضامن لآلية العمل المشتركة؟ على كل حال يتشكك الكثير من المراقبين في إمكانية حدوث ذلك أساساً.
ومن ناحية أخرى، تواجه منطقة جنوب آسيا تحديات فورية فيما يتعلق ببعض الأزمات التي لم يتم حلها بعد بين العديد من دول المنطقة، والممارسات التي تتعرض لها بعض الأقليات الدينية في دول من المنطقة، وما تثيره من انتقادات داخلية وخارجية.
وفي أوروبا سيكون السؤال الكبير هو ما إذا كان بوسع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون استخدام أغلبيته الكبيرة في البرلمان لتسريع تنفيذ صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمعروفة باسم «بريكست»، مع كل من البرلمان والاتحاد الأوروبيين بحلول نهاية العام الجاري.
ومن شبه المؤكد أنه إذا كان جونسون، بأغلبيته الكبيرة، على استعداد لتهدئة المواقف الأكثر تشدداً التي تبنّاها في الفترة التي سبقت الانتخابات البريطانية، فإن ذلك سيجعله موضع ترحيب كزعيم أوروبي مهم رغم أن بلده لم يعد جزءاً من الاتحاد الأوروبي. وبالنظر إلى قوته الداخلية مقارنةً بنظرائه الأوروبيين الآخرين في فرنسا وألمانيا، فقد يبرز جونسون كقائد فيما يتعلق بالقضايا الأنجلو أوروبية الأوسع نطاقاً، مثل الأمن القومي وكيفية التعامل مع روسيا.
ولا تزال احتمالات إحراز تقدم فيما يتعلق بحل النزاع المرير بين روسيا وأوكرانيا غير مؤكدة، على الرغم من أن روسيا ليست حريصة على تصعيد العنف في شرق أوكرانيا بالنظر إلى القلق الشديد لدى العديد من الروس حيال احتمالية وقوع مزيد من الخسائر البشرية والمادية في الحرب هناك. وعلاوة على ذلك، فإن روسيا بحاجة إلى تعزيز مكانتها الجديدة في الشرق الأوسط، وإلى إيجاد طريقة للتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل بدلا من النظر إليها على أنها تتجه أكثر نحو التحالف مع تركيا ودول أخرى مناهضة للولايات المتحدة. إن من شأن ذلك أن يسبب قلقاً في الولايات المتحدة وأوروبا وبين الدول الإسلامية المعتدلة التي لا تعتبر تركيا (ومعها بعض اللاعبين الآخرين في المنطقة) طرفاً مسؤولا وذا مصداقية في هذا الجزء من العام.
وخارج نطاق الجغرافيا السياسية الإقليمية، فإن أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام بالنسبة للعالم خلال العام المقبل إنما تتعلق بتغير المناخ، وما يجب القيام به لإبطاء ظاهرة الإحماء الحراري جراء انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. فهل ستعترف أكبر الدول وأقواها في العالم أخيراً بأن التغير المناخي يمثل تهديداً وجودياً للكوكب الأرضي وللمجتمع البشري الذي يعيش عليه؟ أم ستستمر هذه الدول في ترديد كلام لا طائل من ورائه في محاولة لدحض الأدلة العلمية الدامغة والمتزايدة، التي مفادها جميعاً أنه ما لم يتم تبنِّي سياسات جديدة وذات مغزى في مجال المناخ ولحماية البيئة الطبيعية، فإن مصير الكوكب سيكون معرضاً للخطر في وقت أقرب مما يتوقعه أي شخص؟