يمثّل مقتل «قاسم سليماني» قائد«فيلق القدس» تصعيداً درامياً، مما سيصعّد من وتيرة التوترات والنزاعات في المنطقة في الفترة القادمة بعد مقتل «سليماني» ونائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» العراقي «أبو مهدي المهندس»، وشخصيات أخرى من الميليشيات العراقية في عملية أميركية أصبح من خلالها الرئيس دونالد ترامب أيقونة اليمين الأميركي. «سليماني» كان يُعد ثاني أقوى شخص في إيران.
تداعيات الحادث تثير قلق الأميركان، وقد تسفر عن توترات إقليمية، وربما تؤدي إلى توسيع رقعة ممارسات مزج القوة المسلحة بالنفوذ الخارجي، مثلما هو الحال في نموذج «حزب الله» في لبنان.
فقد كانت معظم نشاطات «فيلق القدس» مصممة لخلق توازن في معادلة لا حرب ولا سلام، وذلك كضامن لدور رئيسي على الساحة. ولربما تنشأ ميليشيات مناهضة جديدة خارج تغطية الرادار الأميركي لضرب المصالح الأميركية في المنطقة ودعم أكبر للميليشيات الشيعية، ولربما بدرجة أكبر للميليشيات السُنية.
والقوة الداعمة للميليشيات العراقية ستحاول فرض الضغوط على الجانب الأوروبي وقطاع الطاقة العالمي من خلال تهديد سلسلة تموين وأسعار النفط والغاز. وقد نجحت في ذلك سابقاً، وستعود لتفعيل تلك الاستراتيجية، وفي الوقت نفسه لم تكن حسبة الشروع في منافسة روسيا في نفوذها في سوريا موفقة وفي كل الأحوال لا أرى إمكانية نشوء نزاع عسكري مباشر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية ومن الأرجح أن تكون حرب سيبرانية مفتوحة ستتأثر بها المنطقة ككل.
ومن جهة أخرى ربما تسفر تداعيات حادثة الاغتيال عن فرض هيمنة خارجية نوعية أكثر تعقيداً من السابق على العراق على يد نواب الكتل الشيعية في البرلمان العراقي، ما قد يؤدي إلى حضور ونفوذ خارجيين بمستوى أكبر في عمق المؤسسات العراقية وإعادة تنشيط لـ«جيش المهدي» وقد تساق العراق إلى حرب أهلية من جانب واحد.
وفي الجانب اللبناني سيسعى «حزب الله» لجعل الاستقرار السياسي حلماً بعيد المنال. كما سيقوم الجانب السوري واليمني الموالي بجانب خلايا «حزب الله» وذئاب منفردة تقوم بتوظيف عقيدة المظلومية السياسية، والتي ستشكل تهديداً ناشئاً غير مسبوق وتحدياً غير اعتيادي لزعزعة استقرار المنطقة، كما سيكون لإيران حضور أكثر تأثيراً في ليبيا والقرن الأفريقي، والانتقام غير المباشر من خلال حلفائها الإقليميين كخيار أنسب دائماً.
ومن ناحية أخرى، ماذا عن الاتفاق النووي؟ وهل يتم التخلي عنه بما يهدد المصالح الأمنية الإقليمية والأوروبية؟ وهل كان مقتل قاسم سليماني نهاية منظومة عمل تقوم على فكر عسكرة المذهب وثوابت توسعية ثورية لا تقبل القسمة على اثنين؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات؟ في فترة يواجه فيها الرئيس الأميركي ضغوطاً هائلة في الداخل بالإضافة إلى قرب السباق الانتخابي! وقد يبدو ترامب للبعض سياسياً أكثر من كونه رئيس دولة، ولكنه حتماً يتصرف وفق استراتيجية أكبر من كرسي الرئاسة، وسيتجنّب المشاركة العسكرية المباشرة في الشرق الأوسط لأنها ببساطة لا تحظى بشعبية كبيرة لدى الشعب الأميركي، وسيقود العالم تلقائياً إلى أزمة مالية عالمية أخرى، والتي سيكون تأثيرها على الصين وروسيا، وأوروبا هو الأكثر وقعاً ويبطئ القطار الصيني والسؤال هنا: من الذي سيتحمل العواقب في المنطقة جراء سياسة ترامب ومقابل ماذا؟ ومن وأين هو العمق المستهدف؟
فهل سنشهد تكثيفاً لأنشطة إيران النووية بما يخالف الاتفاق النووي وأن ينهار هذا الاتفاق تماماً؟
وأما بالنسبة لتأثيرات سوق النفط فقد ارتفعت أسعار البرميل بالفعل بنسبة3 % بعد وقت قصير من إعلان مقتل سليماني، ومن الواضح أن هناك مستوى جديداً من المخاطر الجيوسياسية في الأسواق، وسيتم استهداف الأنشطة النفطية الأميركية في العراق، والخوف من عمليات خطف أو اتخاذ رهائن من الدبلوماسيين ورجال الأعمال والدين ورعايا ومصالح أميركا وحلفائها في مناطق الصراع من خلال أذرع محلية، والانتقام ربما يتعلّق بالجغرافيا الكاملة لما يسمى «جبهة المقاومة» كما يرونها بعد أن رفعت الراية الحمراء على قبة «مسجد القائم» في جمكران في «قم» كإشارة لنية الثأر.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات