تخضع منظمة الصحة العالمية للرقابة والتوجيه من قبل ما يعرف بجمعية الصحة العالمية (World Health Assembly)، وهي الجهة الصحية الدولية الأعلى على الإطلاق، والمسؤولة عن التوجهات والسياسات الصحية من منظور عالمي. وتتكون هذه الجمعية من 194 دولة، يتم تمثيلهم من خلال وزراء الصحة في كل دولة. ودائماً ما تختار جمعية الصحة العالمية، قضايا صحية عالمية فائقة الأهمية، لتجعلها محل اهتمام العالم لفترة عام كامل. وهو ما حدث في مايو من العام الماضي، أثناء الاجتماع الثاني والسبعين للجمعية، حينما تم الاتفاق على أن يكون 2020 «عام الممرضات والقابلات». وهو ما يتوافق مع مرور 200 عام على ولادة البريطانية «فلورنس نايتنجل»، إحدى أهم المؤسسات للتمريض في شكله الحديث.
ويأتي هذا الاختيار على خلفية الدور الحيوي والأساسي الذي تلعبه الممرضات والقابلات في توفير الرعاية الصحية، بداية برعاية الأمهات وأطفالهن منذ ولادتهم، وتقديم النصح والإرشاد لهن، ومروراً بتنفيذ برامج التطعيمات الطبية، ونهاية بتقديم الرعاية الصحية للأشخاص المسنين في منازلهم أو في دور الرعاية. وكثيراً ما تكون تلك الممرضات والقابلات، هن فقط المتاحات من جميع أفراد المهن الطبية المختلفة، لتقديم الرعاية الصحية للعديد من المجتمعات، خصوصاً في القرى والمناطق النائية في الدول الفقيرة.
وللأسف، ورغم الدور الحيوي والأهمية الفائقة للممرضات والقابلات، تعاني تقريبا جميع دول العالم، الغني منها والفقير على حد سواء، من نقص وشح في عدد الممرضات والقابلات، يقدر بتسعة ملايين ممرضة وقابلة، وهو العدد المطلوب إذا ما كان للعالم أن يتمكن من تحقيق هدف «الرعاية الصحية الشاملة» لجميع أفراد المجتمع.
وفي الوقت الحالي تشكل الممرضات والقابلات نحو 50 في المئة من القوة العاملة في قطاع الرعاية الصحية، فمن بين 43 مليوناً من العاملين في هذا القطاع، يُعتقد أن 21 مليوناً منهم ما بين ممرضة وقابلة. ورغم هذا العدد الضخم، فإنه وفقاً لتقرير «مرصد الصحة العالمية» لعام 2017، يتوفر أقل من ثلاث ممرضات لكل ألف من السكان في نصف دول العالم، بل في ربع الدول ينخفض المتوفر من الممرضات إلى مجرد واحدة لكل ألف من السكان. هذه الأرقام والإحصاءات تعبر عن الظاهرة الدولية المعروفة بنقص أو شح عدد الممرضات، وهو الوضع الذي يفوق فيه الطلب على أفراد هذه المهنة بمختلف تخصصاتهم، عن المعروض أو المتوفر، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني أو الدولي. ويتم تقييم هذا الفارق بين العرض والطلب باستخدام نسبة عدد الممرضات إلى عدد المرضى، أو عدد الممرضات لكل ألف من السكان، أو عدد الوظائف المتاحة للتمريض التي لم تتمكن المؤسسات الصحية من شغلها.
وعلى صعيد القابلات (أو الدايات)، فحسب تقرير صدر قبل بضعة أعوام عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للقابلات، ومنظمة الصحة العالمية، ظهر أن النقص الحاد في القابلات في 73 دولة، يتسبب في وفاة الملايين من النساء الحوامل والأمهات الجدد وأطفالهن الرضع وحديثي الولادة. كما أظهر هذا التقرير أن الدول التي تعاني من نقص حاد في القابلات، تتكبد شعوبها 96 في المئة من العبء العالمي لوفيات الأمهات، و91 في المئة من حالات ولادة الجنين ميتاً، و93 في المئة من وفيات الأطفال بعد الولادة. وبناء على أن هذه الدول يتواجد فيها 42 في المئة فقط من المجموع العالمي من القابلات والممرضات والأطباء، يصبح حينها من السهل إدراك العلاقة بين النقص في عدد أفراد الطاقم الطبي، خصوصاً القابلات منه، وبين تعرض هذه الدول والمجتمعات لمعدلات عالية من الوفيات بين النساء أثناء حملهن أو خلال ولادتهن، أو في الأيام والأسابيع الأولى بعد الولادة.
ويرد جزء من هذا الشح أو النقص، من الناحية الكيفية على الأقل، إلى التزايد المطرد الذي شهدته العقود القليلة الماضية في أهمية الدور الذي أصبحت تضطلع به الممرضات والقابلات ضمن الفريق الطبي، إلى درجة أنهن أصبحن الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها نظم الرعاية الصحية الحديثة. هذا الواقع الطبي الحديث نسبياً مرده إلى سببين؛ الأول هو التطور الواضح في المهارات الإكلينيكية للممرضة الحديثة، مما أتاح لها القيام بالمزيد من المهام التي كان يقتصر أداؤها سابقاً على الأطباء، أما السبب الثاني فهو الاتجاه المتصاعد نحو تقليل نفقات الرعاية الصحية، من خلال إيكال المزيد من الأعمال الروتينية التي كان يقوم بها الطبيب إلى بقية أفراد الطاقم الطبي، خصوصاً الممرضات والقابلات.