كانت آخر محاضرة في مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية لعام 2019 لأمين عام جامعة الدول العربية، معالي أحمد أبو الغيط، وقد تطرقت المحاضرة لعدة نقاط في غاية الأهمية، وفي مقدمتها عامل اللايقين على المستوى الدولي، الذي يتمثل في عدم الاستقرار على شكل النظام الدولي في المستقبل القريب، وفي بداية عام 2020، الذي أعلنت دولة الإمارات أنه سيكون عام الاستعداد للخمسين، علينا أن نتساءل ما هو استشراف المستقبل لدى الإمارات للاستعداد لعامل اللايقين في النظام العالمي الجديد؟
لقد ذكر «أبوالغيط» أن النظام الدولي سيكون متعدد الأقطاب، كما أن الولايات المتحدة الأميركية تريد أن تتموضع أكثر آسيوياً من الشرق الأوسط، بسبب القوة الاقتصادية الصاعدة لدى الصين، لذلك روسيا تريد أن تستغل هذا التموضع للتواجد في قلب العالم القديم، وهو جنوب أوروبا والشرق الأوسط.
لا شك أن نظاماً دولياً متعدد الأقطاب سيؤدي إلى توازن في القوى، لكن في الوقت نفسه ممكن أن يخلق تحديات كثيرة تضع المنطقة العربية، وخاصة الخليج العربي في موقف صعب. فالأقطاب المتعددة مثل الصين وروسيا ستغري قوى إقليمية معينة في المنطقة، وقد لا ترى هذه الأقطاب أنها خطر مثلما كانت تراها الأحادية الأميركية، وبالتالي هذا سيجعل القوى الإقليمية تتجاوز الخطوط الحمر على نحو غير مسبوق، فما نراه اليوم من تجاوزات من قبل النظام التركي في المنطقة قد تزداد حدة في المستقبل.
ولمواجهة هذه التحديات، لا بد من تأسيس قاعدة صلبة من الأمن القومي العربي المشترك، لكن هذا الأمن الجماعي يحتاج إلى اتفاق على الأوليات وللأسف أوليات العرب متباينة، فمثلاً القوى الإقليمية المجاورة للمنطقة العربية، تشكل خطراً على الأمن القومي العربي بصور مختلفة ودرجات متفاوتة، وما زاد الطين بِلَّة أن الدولة الوطنية العربية، خاصة بعد أحداث الدمار العربي في 2011، انزوت وضعفت وبعضها تلاشت، ونتيجة لذلك، جامعة الدول العربية ستكون أيضاً متعددة الأقطاب، وستكون هناك تحالفات مختلفة، والتي شاهدنا بداياتها متمثلةً في مجلس التنسيق السعودي-الإماراتي.
من أكثر الشخصيات التي أشاد بها أبو الغيط، والتي نأمل أن عقيدته السياسية تؤخذ بعين الاعتبار، «دينج شياو بينج» القائد والمنظر الصيني، الذي قاد جمهورية الصين الشعبية بين عامي 1978 و1992، والذي وصفه أبو الغيط بالشخصية العملاقة الأسطورية، لقد نصح «بينج» القيادات الصينية: «إياكم والصدام مع الغرب، إلا بعد أن تكونوا مستعدين»، لذلك نرى الصين حذرة في مواجهتها مع الولايات المتحدة الأميركية.
لقد كانت فلسلفة «بينج» هي التركيز على التنمية الاقتصادية، والابتعاد عن الأدلجة السياسية والمنهج الثوري، والحث على المنهج العملي في السياسة الخارجية، فقد كان المهندس المعماري لسياسة خارجية تسهل إلى حد كبير التنمية الاقتصادية، لأن إصلاحاته الاقتصادية كانت بحاجة إلى سياسة خارجية صديقة مع الغرب، للاستفادة من الخبرات التكنولوجية وفرص استثمار للضمان فيما بعد بالاستقلال الاقتصادي، والاعتماد على القوة الذاتية، وهذا يتطلب تجنب ما يمكن وصفه بـ«الفتونة» في السياسة الخارجية والعمل بصمت، كما كان دائماً يكرر أن الصين لا تسعى لتكون قوى عظمى، وإنْ سعت يجب إطاحتها، فالصين لا تريد أن تتحمل أعباء القيادة بمفردها، لأنها تعلم تكلفة ذلك.
نجد أن أغلب ما جاء في عقيدة «بينج» السياسية، تسير عليها الإمارات بخطوات ثابتة، بالتركيز على الاستقلال الاقتصادي، من خلال مواكبة التطور التكنولوجي، والاعتماد على القوة الذاتية.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي