في بداية العقد الماضي، كانت «كالان بينسون» في الخامسة من عمرها، وكانت قصتها المفضلة هي «الحديقة السرية»، وكانت الأرض تشهد أكثر أعوامها حرارة على الإطلاق. سمعت «بينسون» عن التغير المناخي من والدتها عالمة المناخ، لكنها لم تكن تعلم أن قادة العالم قد وقعوا لتوهم اتفاقية وصفوها بأنها «واحدة من أعظم التحديات في عصرنا». كانت تهتم بالأرض، لكنها كانت تثق أن الكبار سيحمونها، بيد أنها لم تعد تشعر بهذا.
بحلول السنة الأخيرة من العقد، كان الكوكب قد تجاوز الحرارة المسجلة في 2010 بخمس مرات. ودمرت الأعاصير نيو جيرسي وبورتوريكو، ودمرت الفيضانات الغرب الأوسط وبنجلاديش. واجتاح الجفاف القاتل جنوب أفريقيا. أما أستراليا والأمازون فقد كانت مشتعلة بفعل حرائق الغابات. ومن المتوقع أن تبلغ الانبعاثات العالمية أعلى مستوياتها على الإطلاق هذا العام، وفي غضون جيل، ستكون البشرية في طريقها لتجاوز حد الاحترار المحتمل.
تقول بينسون، التي تبلغ من العمر الآن 15 عاماً، وهي المنسقة الوطنية لمنظمة الشباب للمناخ «أيام الجمعة من أجل المستقبل»، إن العقد الأول من القرن الـ 21 كان «عقد خيبة الأمل». وأكدت أنه إذا كان العالم يريد تجنب مزيد من الكوارث، يجب أن يكون العقد القادم هو عقد العمل المناخي غير المسبوق.
وأضافت «هذا العقد الذي نعيشه الآن هو الأهم في حياتنا. فالخيارات تنفذ والوقت ينفد».
قبل عشر سنوات، أصدرت الأمم المتحدة تقريرها الأول عن «فجوة الانبعاثات»، والذي يذكر بالتفصيل التباين بين الالتزامات التي تعهدت بها الدول للحد من انبعاثات الدفيئة وما هو مطلوب للوصول لدرجات الحرارة العالمية التي ينبغي الوصول إليها. وتشير التقديرات إلى أن البلدان يجب أن تحد من الانبعاثات بنسبة 3% تقريباً سنوياً.
بيد أن هذا لم يحدث، بحسب ما قالت «سورابي مينون»، نائب رئيس «الاستخبارات العالمية بمؤسسة كلايمت ووركس»، وعضو لجنة الأمم المتحدة التي أعدت التقرير، وأضافت: «تركنا لأنفسنا نافذة ضيقة للغاية لاتخاذ هذا النوع من الإجراءات التي يجب اتخاذها».
وأكدت «مينون» على أهمية «اتفاق باريس للمناخ» لعام 2015 – وهو أول اتفاق عالمي على الإطلاق يُقصر ارتفاع درجات الحرارة إلى«أقل بكثير من درجتين مئويتين»، بيد أن الوعود التي قُطعت أثناء هذا الاجتماع لم يتم الوفاء بها. ووفقاً لآخر تقرير عن فجوة الانبعاثات، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة إلى 3.2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة بحلول نهاية القرن، ما لم تقم أكبر الدول المصدرة للانبعاثات في العالم بزيادة التزاماتها التي تعهدت بها في باريس.
حالياً، معظم هذه الدول ليست على المسار الصحيح لتحقيق حتى أهدافها المتواضعة. وأصبحت درجات الحرارة في العالم بالفعل أكثر بنحو درجة مئوية عما كانت عليه قبل أن يبدأ البشر في حرق الوقود الأحفوري. وزادت الانبعاثات العالمية بنسبة 4% منذ توقيع اتفاقية باريس. ويعد متوسط تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي –«وهو الرقم الوحيد الذي يهم»، على حد قول«فيل ديكولا»، كبير العلماء في برنامج رصد غازات الدفيئة التابع للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية – هو الأعلى في تاريخ البشرية.
وفي الوقت نفسه، وجدت النماذج العلمية المحسّنة أنه حتى درجتين من الاحترار – التي كان يعتقد سابقاً هدفاً معقولاً – يمكن أن تكون غير محتملة في أجزاء من العالم. وللوصول إلى المسار الصحيح لتحقيق ارتفاع أقل كارثية في درجة الحرارة أقل بنحو 1.5 درجة، كشف تقرير مهم للأمم المتحدة أنه يتعين على الدول خفض الانبعاثات بنحو النصف تقريباً بحلول عام 2030.
أثار هذا التحليل الذي أجرته الأمم المتحدة ناقوس الخطر على نطاق واسع بعد صدوره في عام 2018. وأشار إليه السياسيون في تجمعاتهم. وقالت الناشطة المناخية«ألكساندريا فيلاسينور»، 14 عاماً، في فبراير«إذا لم نفعل شيئاً بحلول ذلك الوقت (تعني 2030) سيكون هذا نهاية عالمي».
لكن علماء المناخ يحذرون من اعتبار 2030 موعداً نهائياً، وأن 1.5 درجة هي حد أدنى للانقراض.
ولكن «كيم كوب»، الباحثة في معهد جورجيا للتكنولوجيا، قالت«إذا حققنا هدف الدرجة ونصف، ربما لا يزال هناك الكثير من المفاجآت الشنيعة، وإذا لم نحققه فلن يموت الجميع». وهي ترى أنه من الأفضل فهم التقرير باعتباره خريطة طريق للوصول عبر طريق محفوف بالخطر إلى الاستدامة.
وقالت «قراراتنا في العشر سنوات القادمة ستؤثر على حجم التغير المناخي لعدة قرون قادمة».
ويرى الخبراء أن أول وأهم خطوة هي الحد من استهلاك الوقود الأحفوري. ووفقاً لأخر تحليل لفجوة الانبعاثات، أدت العشر سنوات الماضية من التقاعس عن العمل إلى زيادة المعدل الذي يجب أن تنخفض به الانبعاثات بأكثر من الضعف، ولتحقيق هدف 1.5 درجة، يجب خفض الانبعاثات بنسبة 7.6% سنوياً.
واعترف التقرير أن مثل هذا العمل سيحتاج إلى«تحول غير مسبوق في المجتمع»، لكن العديد من الحلول الاقتصادية والتكنولوجية المطلوبة موجودة بالفعل. ودعا التقرير العالم إلى استبدال طاقة الفحم بالطاقة المتجددة، وتخليص وسائل النقل والتصنيع من الكربون، ومساعدة الدول على بناء بنية تحتية خضراء لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة.
وكشفت الأمم المتحدة أن إلغاء الدعم للوقود الأحفوري يمكن أن يقلل الانبعاثات العالمية بنسبة 10% بحلول عام 2030. وتقترح الأبحاث أن التخلص من غازات الدفيئة -التي تظل في الغلاف الجوي فترة أقل من ثاني أكسيد الكربون ولكنها تحبس المزيد من الحرارة – خلال العشرين سنة القادمة يمكن أن تساعد الأرض على تجنب 0.6-0.8 درجة مئوية من الاحترار بحلول عام 2050.
وتستمد «مينون» الأمل من التقدم الذي تحقق خلال العقد الماضي، حتى مع عدم وفاء قادة العالم بالتزاماتهم. وأشارت إلى أن الطاقة المتجددة العالمية تضاعفت أربع مرات منذ عام 2010، بفضل التكنولوجيا المتقدمة وانخفاض التكاليف. وعلى نحو متزايد، يرى الناس التغير المناخي باعتباره تهديداً، ووجد استطلاع للرأي أجرته «واشنطن بوست» العام الماضي أن 76% من البالغين الأميركيين يعتبرون القضية«مشكلة كبيرة»أو«أزمة». وكانت الإضرابات المناخية العالمية، بقيادة مراهقين أمثال بينسون والناشطة السويدية جريتا تونبيرج، من بين أكبر الاحتجاجات البيئية في التاريخ.
وقال«ويليام موماو»، مساهم في اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وعالم مناخ بجامعة تافتس ينبغي زيادة معدل إزالة غازات الدفيئة. فالنظم الطبيعية تمتص حالياً أكثر من نصف الكربون الذي ينتجه البشر، بينما وجدت دراسة أجريت عام 2018 أن ممارسات حفظ وتجديد وتحسين إدارة الأرض يمكن أن تخفض صافي انبعاثات الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 21%. لكن خفض عدد الغابات، وتجريف الأراضي الرطبة وتلويث السواحل يقلل هذه القدرة.
*كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»