تعد المهمة الأساسية بالنسبة لنا كعاملين في مجال الصحافة هي تغطية الأحداث، فنحن نعد التقارير ونعبر عن رأينا في أحداث مثل الحملات الانتخابية والحروب والجرائم، والكثير من الأحداث التي نقوم بتغطيتها هي عبارة عن قرارات، لذا فنحن نميل إلى الاحتشاد في المدن التي يعيش فيها صناع القرار، وقد ساعد الإنترنت على تسريع دورة الأخبار، لذا فنحن حالياً نركز بشكل أكبر على تغطية التطورات الأحدث زمنياً، بيد أن أمراً غريباً طرأ على الأحداث في هذا العصر، فقد توقفت عن دفع السياسة بالطريقة التي اعتادت عليها، لقد رأينا أحداثاً ضخمة؛ مثل العزل، وجلسات الاستماع الخاصة بالقاضي كافانو، والتحقيق مع مولر، وأشرطة برنامج «الوصول إلى هوليود» الإخباري الترفيهي.. فهذه الأخبار تأتي وتذهب دون أن تترك أثراً يذكر على صناديق الاقتراع أو المشهد السياسي.
لا يبدو أن الأحداث تقود السياسة، بل علم الاجتماع هو الذي يقودها على نحو متزايد، هل تريد أن تتنبأ بالكيفية التي ستصوت بها منطقة معينة في السباق الرئاسي لعام 2020؟ اكتشف من الذي استقر في هذه المنطقة في القرنين الـ17 والـ18، فإذا كان سكانها من قطاع «إيست أنجليا» في بريطانيا، فمن المحتمل أن تكون منطقة «ديمقراطية»، وإذا كانوا من شمال بريطانيا، فمن المرجح جداً أن تصوت هذه المنطقة لصالح ترامب.
وإذا كنت تريد أن تتنبأ كيف ستصوت ولاية ما، عليك بمعرفة كيف صوتت هذه الولاية في الانتخابات الرئاسية لعام 1896، وكما لاحظ أستاذا العلوم السياسية في جامعة واشنطن «جاري ميلر» و«نورمانشوفيلد»، فإن 22 من أصل 23 ولاية صوتت للمرشح «الديمقراطي» في 1896 تحولت إلى «جمهورية» بحلول عام 2000، وبالمثل، فإن 17 من أصل 22 ولاية صوتت للمرشح الجمهوري في 1896 تحولت لتصبح ديمقراطية بحلول عام 2000، لقد تبدلت المناطق في انتمائها الحزبي.
هل تريد أن تتنبأ كيف سيصوت الفرد؟ اطرح سؤالا بسيطاً: هل هو من الحضر أو الريف؟ فالأنماط الجغرافية والنفسية والاجتماعية تلقي بظلالها على الأحداث في دفع الولاء السياسي والنتائج الانتخابية الوطنية.
وهناك طريقة أكثر دقة لشرح ذلك، فالحدث في الحقيقة أمران؛ إنه الحدث نفسه، ومن بعده العملية التي نجعل بها للحدث معنى، ولأسباب لا أفهمها، حدث انفجار معرفي خلال العقود القليلة الماضية، وأصبحت مناطق أميركية مختلفة وثقافات فرعية ترى الحقيقة من خلال وجهات نظر غير متداخلة، وهي تصنع المعنى بطرق مختلفة جذرياً، وأصبحت الفئات النفسية والاجتماعية أكثر قسوة.
وسنواصل في وسائل الإعلام تغطية الأحداث، لكن مع بعض الاستثناءات النبيلة، سنقلل من إعداد التقارير عن كيفية صياغة المعنى في الثقافات الفرعية المختلفة.
في هذا السياق، أشعر بالفضول لمعرفة كيف تتشكل وجهات النظر، فالتقاطع هو وجهة نظر أصبحت منذ عقود طريقة لرؤية أن الكثير من الناس اعتادوا على تنظيم نظرتهم للواقع، فكيف حدث هذا؟
لدي فضول لمعرفة كيف ينظر رجل في ولاية ريفية فقد ابناً بالانتحار، وشقيقاً بجرعة من مخدر الفنتانيل، إلى جلسة الاستماع بشأن العزل، كيف يجعل معنى لهذا الحدث؟ ولدي فضول لمعرفة كيف يمكنك تغيير وجهة نظر شخص آخر؛ أعن طريق الكتابة والتحدث، أو بنقله إلى مكان مختلف وواقع مختلف؟
ولدي فضول لمعرفة كيف تشكّل عدم المساواة وجهات نظر الناس.
الاختلاف الكبير بالنسبة لنا نحن العاملين في الإعلام، هو أن القصة الرئيسية ليست فقط أين يخلق صناع القرار الأحداث، ولكن أيضاً كيف يفعلون ذلك في نظر أولئك الذين يتابعونهم؟
في هذه الحقبة، من المهم للغاية أن تكون لديك منظمة إخبارية متنوعة أيديولوجياً وثقافياً وجغرافياً، حتى تستطيع استكشاف الطرق المختلفة غير الواعية التي تراها المجموعات.

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»