تاريخ العثمانيين في ليبيا لا يختلف عن تاريخهم الأسود في كل البلاد العربية من شبه الجزيرة إلى المحيط، بل هو أسود في كل بلاد غزوها ودمروها، ولا يصح أبداً أن نقول «استعمروها»، لأن ما فعلوه لا يرقى أبداً لمستوى الاستعمار. بل إن أحداً لم يشوّه اسم المسلمين كما شوّهوه هم في كل التاريخ. كيف لا وهم أصحاب الخازوق، وسيلة الإعدام والتعذيب التي تُعتبر إحدى أشنع أدوات القتل، حيث يتم اختراق جسد الضحية بعصا طويلة وحادة من ناحية وإخراجها من الناحية الأخرى ويثبّت في الأرض بطريقة تمنع الموت الفوري، ويترك الضحية معلقا حتى الموت. هذه هي جنة أردوغان التي يعد بها ليبيا اليوم. وإذا ذكرنا ليبيا فلا بد أن نذكر «مذبحة الجوازي» من قبيلة سُليم المعروفة. حدثت المأساة في برقة بشرق ليبيا في 5 سبتمبر من العام 1816 وراح ضحيتها 10 آلاف إنسان من أبناء هذه القبيلة العربية على يد الحاكم العثماني «القرمانللي» الجزّار المجرم.
رجالات هذه القبيلة العربية اشتهروا بالشجاعة وإباء الضيم، ولذلك كان لزعمائها موقف واضح في معاداتهم للاحتلال التركي واشتباكهم مع جنوده في عدة مناسبات ورفضهم لدفع المكوس التي كان العثمانيون يفرضونها على الناس عنوة. هذا الموقف الشجاع أثار حفيظة الوالي العثماني«القرمانللي»، فدعا شيوخ الجوازي للحوار بخصوص صلح بين الطرفين في قصر الحامية، فاجتمع شيوخ القبيلة في الموعد فقتل الشيوخ كلهم في ذلك القصر واكتشف أفراد القبيلة الخديعة بعد فوات الأوان وحدوث مجزرة الشيوخ، فحصل الاشتباك الكبير الذي نتج عنه مقتل عشرة آلاف رجل.
كيف حكم الأتراك ليبيا لثلاثة قرون؟ كيف سمحنا لهم بأن يسموا ذلك«الاحتلال»، امتداداً للخلافة الأموية والعباسية؟! ابحث دائماً عن الخونة وعن مزوري التاريخ. وها نحن نرى الخونة من جديد يؤيدون عودة الاحتلال، ويباركون أردوغان ويسمونه خليفة المسلمين. هناك من لا زال يتشكك في ماسونية «الخُوّان المسلمين» مع أن المشهد في غاية الوضوح. لو أننا اخترنا للماسون رمزاً، فلن يكون رمزهم إلا القرد الذي يجلس على كتف القرصان. الماسونية كانت دائماً ترتبط بالاستعمار، علاقة القرد بالقرصان. وها نحن نرى أردوغان قد أرسل قروده تجوب ليبيا، تبحث عن الثغرات ونقاط الضعف، تبحث عن جدار متصدع في السور يدخل منه الغزاة.
لكن، هذه المرة لن ينجح أحفاد العثمانيين من العودة إلى العالم العربي. لقد فشلت كل خطة رسمها أردوغان في سوريا، ورأيناه بعدها يحك رأسه متظاهراً بأن الفشل لم يقع. ولا شك عندي أنه سيفشل من جديد في ليبيا، ولن يفيده في شيء تبشير«الخّوان» بخلافته، لسببين: الأول: أن هناك تحالفاً عربياً جاداً قائماً على الأخوة الحقيقية والمصالح المشتركة، يتكون من السعودية والإمارات ومصر، وهذا التحالف قد عقد العزم منذ إنشائه على ألا يسمح بعودة العثمانيين إلى الأراضي العربية مهما كانت التكاليف. والسبب الثاني: أن الشعوب العربية أصبحت اليوم على درجة عالية من الوعي، ولن تنصت لنداء قرصان يتظاهر«بخشوع المؤمنين أثناء تأدية الصلاة»، ويُخفي السيف وراء ظهره والخازوق في سفينته.
*كاتب سعودي