لم أتعود أن أكتب عن حصاد عام انقضى، لكن مصادفة نشر المقالة في آخر أيام العام أغرتني بالكتابة، خاصة وقد شهد أحداثاً مهمة سوف أحاول استعراض أهمها على المستوى العربي والإقليمي والعالمي. فعلى الصعيد العربي يمكن التركيز على تطورات الصراعات الراهنة حيث يبدو الصراع السوري أقربها الآن للحسم، وإن كان هذا لا يعني أن الطريق لذلك باتت ممهدة، فما تزال صعوبات عسكرية وسياسية يُعتد بها تعوق التوصل إلى تسوية نهائية، كذلك تأكدت مؤشرات احتمال التوصل إلى تسوية للصراع اليمني ينطبق عليها نفس التحليل السابق، بمعنى وجود صعوبات مازالت تعترض طريق التسوية، لكن الصراع الليبي يبدو أسوأها كما سيأتي. كذلك شهدت بداية العام الموجة الثانية من الحراكات الشعبية في السودان والجزائر بعد أن ذهب بعض التحليلات إلى أن التداعيات الكارثية للموجة الأولى سوف تحول دون تكرارها، غير أن الربع الأخير من العام شهد امتداد هذه الموجة إلى العراق ولبنان، وكانت لهاتين الحالتين بالذات دلالات مهمة بالنسبة لمستقبل النظام العربي، حيث لم تكن الاحتجاجات موجهة داخلياً فحسب، وإنما كانت ضد النفوذ الخارجي أيضاً، وهو بعد يفتح الباب للأمل في تصفية هذا الملمح بالغ السلبية في النظام العربي مع الاعتراف بصعوبة هذه العملية وتعقدها، لأن القوى الخارجية النافذة في هذا النظام لن تتخلى عن مكاسبها بسهولة وستحاول الحفاظ عليها بكل الوسائل.
وعلى الصعيد الإقليمي شهد العام تصاعد تنمر القوى الإقليمية الرئيسية الثلاث المجاورة للعرب، بدعم خارجي غير مسبوق في الحالة الإسرائيلية، حيث اعترفت الإدارة الأميركية بشرعية المستوطنات الإسرائيلية في تناقض تام مع القانون الدولي والشرعية الدولية في الوقت الذي لم تبد فيه الفصائل الفلسطينية المتناحرة أي بادرة على إحساسها بالخطر الجسيم الذي يهدد مستقبل القضية الفلسطينية ومن ثم التحرك على طريق المصالحة الوطنية. كذلك برز التصعيد النوعي في السياسات التركية المضادة للمصالح العربية، كما تجلى في عملية «نبع السلام» التي هدفت إلى إقامة منطقة آمنة على الحدود السورية التركية بغرض القضاء على ما تُسميه أنقرة خطر الإرهاب الكردي، وذلك بإحداث تغييرات في البنية الديموغرافية بإعادة 80 ألف لاجئ إلى المنطقة وتمويل هذه العملية من إيرادات النفط السوري المنهوب. ثم زادت السياسة التركية الطين بلة باستفزازاتها في شرق المتوسط والتي تجاوزت الدول العربية إلى اليونان وقبرص، عضوي الاتحاد الأوروبي الذي فرض عقوبات على تركيا بسبب إصرارها على التنقيب عن الثروات الطبيعية في المياه القبرصية بدعوى وجود حقوق لـ«جمهورية شمال قبرص التركية» التي لا يعترف بها سوى تركيا. ثم وصلت التجاوزات التركية أقصاها بمذكرة التفاهم الباطلة بين أردوغان والسراج والتي تتضمن إرسال قوات تركية إلى ليبيا لحماية حكومة السراج، وهو ما يُفترض أن يصوت عليه البرلمان التركي بعد غد الخميس.
وعلى الصعيد العالمي يمكن الإشارة إلى ثلاثة تطورات مهمة شهدها العام، أولها حسم قضية البريكست بعد الفوز الكاسح لجونسون في الانتخابات الأخيرة، وثمة تداعيات محتملة مهمة للبريكست على بريطانيا والاتحاد الأوروبي معاً، فلو نجحت بعده فسوف يكون لهذا النجاح تداعياته السلبية على مستقبل الاتحاد الأوروبي بقدر ما يشجع الدول المتململة من أعبائه على الاقتداء ببريطانيا، ولو فشلت فسوف يحدث العكس بطبيعة الحال. أما التطور الثاني فهو الأزمة التي عصفت بحلف «الناتو» سواء بسبب هجوم ترامب على أعضائه الذين لا يساهمون بالقدر الكافي في ميزانية الحلف، أو جراء التقييم السلبي له (الحلف) من قبل الرئيس الفرنسي، أو بسبب السياسة التركية التي لا تلقى قبولاً لدى معظم الدول الأعضاء، وعليه فثمة شكوك حقيقية تحيط بمستقبله.
وأخيراً لا شك في أهمية التطورات التي جرت في الساحة الأميركية سواء بقرار مجلس النواب محاكمة ترامب، وهي محاكمة لن تنتهي بعزله غير أنه ستكون لمجرياتها نتائج مهمة على الانتخابات الرئاسية 2020، كذلك يمكن التنويه إلى التطور الجديد في «الحزب الديمقراطي» بظهور توجه يساري داخل جيله الجديد سيكون له تأثيره المهم على السياسة الأميركية داخلياً وخارجياً.