منذ فترة، كتبنا في هذه المساحة عن موضوع (ليبيا والأطماع التركية)، وقلنا يومها: إن تركيا عبر دعمها لـ«حكومة الوفاق»، التي يمثلها فايز السراج، تسعى إلى: استثمارات مليارية في هذا البلد العربي النفطي، وتريد وجوداً فيه يؤمن مزيداً من النفوذ في التدافع على النفط والغاز في البحر المتوسط، وأن أول أهدافها المتعدّدة هو ضمان أنها ستصبح قادرة عملياً على استئناف مشروعات الإعمار التي تقدر بنحو 18 مليار دولار، كما سيسهل عليها ذلك - إن نجح مسعاها - ترسيم الحدود البحرية، وتوسيع مناطقها الاقتصادية الحصرية، وتقوية يدها في منافسة السيطرة على إمدادات الطرق في شرق المتوسط، ما سبق ليس مجرد نوايا واجتهادات لمحللين سياسيين، بل أصبحت حقيقة ملموسة التنفيذ على الأرض، عززتها التحركات التركية الأخيرة خلال الأيام الماضية.
اعتبر البعض أن اتفاقية أردوغان - السراج، ربما ستندرج في قائمة لتسجيل المواقف السياسية التقليدية، التي سيكون لها مكافأتها عندما تستقر الأوضاع، وأنها - الاتفاقية - لن تترجم على الأرض في شقها العسكري، لكن الأمور كما يبدو تسارعت في هذا المنحى، ومن دون انتظار اجتماع البرلمان التركي للموافقة عليها تجنباً لأي اعتراض، في الأيام القليلة الماضية، تناقلت العديد من وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية خبر إرسال تركيا لألف مقاتل جلّهم سوريون (= تركمان سوريا) إلى ليبيا للانضمام إلى ميليشيات طرابلس، في محاولة لإنقاذ حكومة فايز السراج التي أصبحت في أزمة خانقة، تزداد ضيقاً عليها، كلما تقدم الجيش الوطني الليبي خطوة لإحكام قبضته على العاصمة، التي تشير الأمور فيها إلى أنها سقطت عسكرياً، ولم يتبق سوى تحرير بعض الأحياء السكنية وصولاً إلى الموانئ البحرية.
محللون عرب وأجانب قالوا: إن المقاتلين (التُرك) الذين وصل منهم ألف مقاتل إلى طرابلس، يبلغ عددهم الكلي 8 آلاف ينتظرون شحنهم جواً وبحراً إلى ليبيا، السؤال الجدير بالطرح: هل يصح في القانون الدولي نقل إرهابيين ذوي سوابق مثبتة من بلد إلى آخر، بغية المشاركة في القتال الدائر فيه، وهو مع ميليشيات إرهابية في الأساس كما الحال في طرابلس؟ إذا كان العالم كله مجنّداً للتصدّي للإرهاب والقضاء عليه، من أجل عالم أفضل وأكثر أماناً، فماذا يعني العمل الذي قامت به تركيا في ليبيا؟ ألاَّ يعدُّ عملها هذا تغذيةً واضحةً للإرهاب، وإحياءً لمنابعه التي يعمل العالم على نضوبها وتجفيفها؟ إذا كانت مكافحة الإرهاب والإرهابيين تعني تضييق مساحة انتشاره جغرافيا على مستوى العالم، فإن ما تفعله تركيا اليوم هو عكس ذلك تماماً؛ إذ بعملها هذا إنما تزيد من مساحة انتشار الإرهاب في العالم، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، ويبدو أن ما تناقلته الصحف الأوروبية على مدى الأيام الماضية، من أن الأعمال ذات الطابع العسكري التي تقوم بها تركيا في ليبيا تحديداً، موجهة إلى أكثر من جبهة، إحداها بلا ريب هي أوروبا التي عانت كثيراً ولا تزال من تدفق اللاجئين العرب والأفارقة على مدى الأعوام الستة أو الثمانية الماضية، بمساعدة تركيا نفسها التي اعتمدت على سياسة الابتزاز، وتحصلّت من الاتحاد الأوروبي على ما نحوه 5 مليارات يورو لسد بوابته فقط، في وجه النازحين والمهاجرين غير النظاميين إلى أوروبا، لكنه ها هو الرئيس أردوغان يفعلها للمرة الثانية؛ فوجود تركيا في ليبيا سيفتح بوابات النمل على مصاريعها أمام المهاجرين الأفارقة الموجودين أصلاً في ليبيا، ثم سيتلوهم بعد ذلك النازحون المتوقعون وهم من جنسيات مختلفة، جراء المواجهات القتالية التي ستزيد تركيا من سعيرها على الأرض الليبية، السؤال هنا: هل نحن على موعد مع سوريا ثانية في ليبيا؟
*إعلامي وكاتب صحفي