حفلَ عام 2019 الذي نودع آخر أيامه غداً، بالعديد من الإنجازات الصحية، والاختراقات الطبية، والتي شملت الصحة الشخصية، والصحة العامة، من المنظورين القومي والعالمي. فعلى الصعيد الشخصي لمرضى الشلل الرعاشي أو «الباركنسون»، وحسب دراسة علمية نشرت نهاية أبريل الماضي، قام خلالها مجموعة من علماء مستشفى جامعة كندية بمقاطعة أونتاريو بزراعة محفز أو منشط كهربائي في العمود الفقري للمرضى، تمكّن بفضله المرضى المصابون والمقعدون عن الحركة من استعادة قدرتهم مرة أخرى على المشي، بل إنه حتى بعد إطفاء المحفز الكهربائي ووقفه عن العمل، احتفظ المرضى بقدرتهم المستعادة.
وعلى المنوال نفسه، وفي عملية جراحية هي الأولى من نوعها في الولايات المتحدة، قام فريق من الأطباء بمستشفى جامعة غرب فيرجينيا، بداية شهر نوفمبر الماضي، بزراعة أقطاب كهربائية داخل مخ مريض يبلغ من العمر 33 عاماً، لمساعدته على التخلص من إدمان على مشتقات الأفيون عانى منه لأكثر من عشر سنوات، تعرّض خلالها لنوبات من فرط أو زيادة الجرعة، مما هدد حياته عدة مرات، ولم تفلح معه وسائل علاج الإدمان، حيث ظل ينتكس ويرتد لإدمانه في كل مرة بعد إنهائه فترة العلاج.
واستمراراً للاختراقات التي شهدها العام المنصرم على صعيد علاج أمراض واضطرابات المخ والجهاز العصبي المركزي، أعلنت إحدى كبريات الشركات الأميركية المتخصصة في مجال الأدوية والعقاقير الطبية، نهاية أكتوبر الماضي، عن نجاحها في تطوير علاج جديد، يُمكنه الإبطاء من تدهور حالة المصابين بمرض الزهايمر، أحد أنواع العَتَه أو الخَرَفُ، مضيفةً أن العقار المذكور أصبح جاهزاً للطرح في الأسواق. ويأتي هذا الإعلان في وقت لا تتوافر فيه أي أدوية أو عقاقير قادرة على تحقيق هذا الهدف، ويقتصر المتاح منها حالياً على تخفيف أعراض وعلامات المرض. بل لم يتم تطوير أو طرح أي عقار جديد لعلاج الزهايمر، أو حتى تخفيف أعراضه، منذ أكثر من عقد زمني كامل.
كما استمر الذكاء الاصطناعي في زيادة مدى واتساع تطبيقاته في الطب الحديث، بحيث أصبح يحقق نتائج مساوية، وأفضل أحياناً، من الأطباء والمتخصصين، في التعرف على الإصابة بسرطان الرئة وتشخيصه، وهو ما قد يزيد من فعالية البرامج المسحية الهادفة للتعرف على الإصابة بالسرطان بشكل مبكر، مما يزيد من فرص الشفاء منه ونجاة المرضى المصابين به. وهو ما كان خلاصة دراسة قام بها علماء جامعة أميركية في ولاية إلينوي، ونُشرت نتائجها في عدد شهر مايو الماضي من إحدى الدوريات المتخصصة في العلوم الطبية (Nature Medicine).
المجال الطبي الآخر الحديث نسبياً، أي مجال زراعة الأعضاء، شهد هو كذلك اختراقات واعدة خلال عام 2019. آخر تلك الاختراقات، أعلن عنه منتصف شهر سبتمبر الماضي في الدورية العلمية الشهيرة (Nature Biotechnology)، ويتلخص في أن تبريد الكبد البشري تبريداً فائقاً (4 درجات مئوية تحت الصفر)، من شأنه أن يطيل فترة صلاحية العضو المتبرع به بمقدار ثلاثة أضعاف، مقارنة بطريقة التبريد الحالية المعتمدة على الثلج، وبذلك يمكن الإبقاء على صلاحية الأعضاء المتبرع بها لأكثر من يوم واحد، وهو ما سيُعتبَر ثورةً في عالم نقل وزراعة الأعضاء. ويؤمل أن تُمكن هذه التقنية، بالترافق مع تقنية أخرى حديثة تُعرف بالكبد الدافئ (Warm Liver) والتي تم اعتمادها بداية العام في بريطانيا، بناءً على توصية المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية، من تحقيق حلم «بنك الأعضاء»، والذي يمكن من خلاله تخزين الأعضاء الحيوية لشهور وسنوات، لاستخدامها عند الحاجة.
كما تزايدت الآمال خلال العام في إمكانية القضاء على سرطان عنق الرحم في المستقبل القريب، بناءً على دراسة مقارنة، نشرت في إحدى الدوريات الطبية المرموقة (The Lancet)، قام من خلالها العلماء بتحليل نتائج 65 دراسة سابقة، اشتملت على بيانات 60 مليون امرأة حول العالم. وأظهر هذا التحليل تراجعاً في معدلات التغيرات الباثولوجية في الأنسجة والتي تسبق الإصابة بالسرطان، وأيضاً في معدلات العدوى بفيروس الثآليل الجنسية، المرتبط ارتباطاً وثيقاً باحتمالات الإصابة بسرطان عنق الرحم. ويرى العلماء أنه إذا ما استمر هذا الاتجاه، فستشهد مجمل معدلات الإصابة انخفاضاً ملحوظاً، وربما القضاء على سرطان عنق الرحم بشكل نهائي.
وفي الوقت الذي شهد فيه عام 2019 كوكبة من الاختراقات والإنجازات الطبية، شهد أيضاً نفس العام تصاعد وتيرة العديد من التحديات على الصعيدين الشخصي والعالمي، مثل أزمة التطعيمات الطبية التي تفاقمت حدتها مؤخراً، وقضية تزايد عدد الوفيات الناتجة عن الأمراض المنقولة بالماء وبالغذاء، وغيرها من التحديات، وهو ما سنتعرض له في المقال القادم.


*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية