في 13 ديسمبر(أي منذ 9 أيام)، تسلم رئيس الجمهورية ميشال عون من وزيرة الطاقة اللبنانية ندى البستاني نسخة من أول ترخيص سلم لتجمع شركات «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و«نوفاتيك» الروسية، لبدء أعمال الحفر في يناير المقبل، لأول بئر نفطية في البلوك رقم 4 الواقع في منطقة البترون البحرية، وهي أول خطوة تنفيذية في مرحلة الاستكشاف، تبشر بقرب دخول لبنان نادي الدول المنتجة، خصوصاً أن هذه البئر ستسهم بعد 4 أشهر في الحصول على معلومات مهمة عن النظام الجيولوجي النفطي، ومعرفة وجود استكشاف تجاري، مع العلم أن العائدات الصافية قدرت بنحو 600 مليار دولار، ما يمكنه من سداد ديونه وتوفير الازدهار لاقتصاده.
إن احتمال وجود النفط في لبنان ليس جديداً، بل يعود إلى ما قبل 97 عاما. وتعود بنا الذاكرة إلى 1960 عندما دخل وزير الأشغال إلى مكتب رئيس الجمهورية آنذاك اللواء فؤاد شهاب، وقدم له ملفاً وصفه بأنه سيرفع لبنان إلى مصاف الدول «الثرية». وبعد أن استفسر الرئيس عن محتويات الملف، أجابه الوزير بأنه وجده في أدراج مكتبه، ويتضمن دراسة مفصلة أعدها المحتل الفرنسي عام 1923، لما يختزنه لبنان براً وبحراً من ثروات نفطية ومعادن ثمينة. ويضم دراسات ووثائق وخرائط. وعلى رغم أهمية هذا الملف الذي يمكن أن ينقل البلد إلى دولة منتجة للنفط، فقد أعاده الرئيس إلى الوزير قائلاً: « احفظه في أدراج مكتبك»، لكن الوزير لم يعجبه الكلام، واضطر لحفظه على مضض، وبعد 10 دقائق تمنى على الرئيس أن يشرح له الأسباب، فأجابه فخامته بابتسامة نادرة «إذا فتحنا الملف، لن نكتفي بعدو واحد (هو إسرائيل)، بل ستكون دول العالم كلها أعداء لنا».
من هنا تبرز أهمية السؤال المطروح، حيث يعيد التاريخ نفسه: هل ما يجري اليوم على الساحة اللبنانية هو نتيجة لفتح ملف أعده المحتل الفرنسي عام 1923؟
خطة الحكومة تشمل تنفيذ العمل في 10 بلوكات على طول الساحل اللبناني، لكنها معرضة للاصطدام بعراقيل سياسية داخلية وخارجية، فالداخلية منها تجلت بانقسام القوى السياسية حول البلوكات ضمن المنطقة الجغرافية لنفوذ بعض الزعماء. أما الخارجية فقد تجلت بالموقف الأميركي الإسرائيلي، خصوصاً في المنطقة البحرية الحدودية التي يقع ضمنها البلوك رقم 9 المتنازع عليه مع العدو، والذي أعلنت وزيرة الطاقة أنها ستعمل لبدء الحفر فيه العام المقبل. وإذا كان العدو لا يضيع وقتاً لقضم ثروة لبنان النفطية والغازية، ويتصرف مع الإحداث التي تعصف بالبلاد كأنها فرصة مناسبة لانتهاك السيادة اللبنانية، فإن واشنطن تحاول الاستفادة من هذه الفرصة بحجة الوساطة لحل النزاع بين البلدين، وهي تحاول فرض«خط هوف» لترسيم الحدود البرية والبحرية، وقد أكد ذلك مساعد وزير الخارجية «دايفيد هيل» في زيارته لبيروت الخميس الماضي، ولكن اللبنانيين أكدوا بدورهم رفض المشروع الأميركي، ودعوا في الوقت نفسه الشركات الأميركية إلى الاشتراك في جولة التراخيص الثانية التي سيتم فتح عروضها بنهاية يناير المقبل، إلى جانب الشركات الروسية والأوروبية والصينية. وهكذا يستمر الصراع على استثمار النفوذ السياسي لتحقيق المصالح الإقليمية والدولية.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية