إن أكبر مشكلة تتعلق بضرائب الثروة، والتي هي محور مناقشات السياسة الاقتصادية هذا العام، ليست أنها يصعب جمعها وأنها من الممكن أن تساعد على هروب رأس المال. بل إنها لا تحقق هدفها المعلن والمتمثل في الحد من عدم المساواة.
تعد مقترحات ضريبة الثروة التي طرحها المرشحان الرئاسيان «اليزابيث وارين» و«بيرني ساندرز» من أعراض الاهتمام المتجدد بفكرة فرض الضرائب على الثروات وليس الدخل فقط. وربما تكون أوضح حجة لهذه الفكرة قد طرحها هذا العام الخبير الاقتصادي الفرنسي «توماس بيكيتي» في كتابه الجديد «رأس المال والأيديولوجية». وتدور فكرة «بيكيتي» حول استخدام ضرائب المصادرة للتخلص من الممتلكات الدائمة، حتى التقدميون الأميركيون لم يذهبوا إلى هذا الحد.
تظهر التجربة الأوروبية أن حصيلة ضريبة الثروة عادة ما تكون منخفضة بشكل مخيب للآمال: فمثل هذه الضرائب من الصعب إدارتها وجمعها. وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل معظم الدول التي جربت فرض ضرائب الثروة قد ألغتها (كانت فرنسا هي آخر دولة تلغي هذه الضريبة في عام 2017). أما الدول الأوروبية الأربع التي ما زالت تفرض ضريبة على الثروة -سويسرا وإسبانيا والنرويج وبلجيكا – فلا تجمع الكثير من العائدات من هذه الضريبة.
تدير سويسرا أعلى مستوى للإيرادات، 1.1% من الناتج الاقتصادي في 2018. وتتراوح ضريبة الثروة هناك من 0.3% -1% من القيمة الصافية وتؤثر على السكان من الطبقة المتوسطة، وليس الأثرياء فقط. وبسبب تميزها في توليد الإيرادات، اختار «إدوارد وولف»، من جامعة نيويورك، النموذج السويسري لعرضه على الولايات المتحدة في ورقة عمل تم نشرها للتو.
استخدم وولف 121.000 دولار كحد للثروة للأشخاص المتزوجين لفرض الضريبة عليه، تقريبا نفس متوسط المستويات المختلفة الموجودة في جميع الأقاليم السويسرية، ووضع معدل الضريبة التصاعدي عند 0.05 -0.3% من إجمالي الثروة.
وبناء على هذه الشروط، فإن 44.3% من الأسر الأميركية كانت ستدفع الضريبة في عام 2016، والتي كانت ستحقق 189.3 مليار دولار سنوياً -1% من الناتج الاقتصادي لعام 2016 ونحو 10.5% من إجمالي ضريبة الدخل الفيدرالية. من المنظور السياسي، سيحتاج الأمر موازنة ذلك أمام تداعيات زيادة فاتورة الضرائب لـ 15% من الأسر الأميركية بأكثر من 500 دولار. وستثبت الضريبة أنها غير فعالة في الحد من عدم المساواة. وبعد طرحها، انخفض معامل «جيني»-(نسبة للعالم كورادو جيني من المقاييس المهمة والأكثر شيوعا في قياس عدالة توزيع الدخل في الولايات المتحدة) لعام 2016 بشكل تافه. وهذه نتيجة مباشرة للإيرادات الصغيرة نسبياً، التي ستولدها الضريبة: فهي لن تمنح الحكومة الكثير من المال لإعادة توزيعه.
كما أجرى «وولف» نفس العملية الحسابية على الاقتراح الضريبي للسيناتورة اليزابيث وارين، والذي يتعلق أكثر بمصادرة أملاك الأغنياء على غرار أسلوب «بيكيتي» أكثر من فرض ضريبة الثروة على الطريقة السويسرية، التي تجعل الناس يتشاركون حتى لو كانت أصولهم صغيرة نسبيا. من وجهة نظر الحصول على أصوات، سيكون من الأسهل تبرير فرض هذه الضريبة، نظراً لأن 0.7% فقط من الأسر الأميركية ستدفعها. وعلاوة على ذلك، ستحقق عائدات تزيد بنسبة 60% تقريباً عن الضريبة على طراز السويسري، نحو 303 مليارات دولار. لكن معامل جيني للقيمة الصافية سيتراجع فقط إلى 0.8825.
ولن تنخفض معاملات «جيني» القائمة على الدخل بشكل ملحوظ، أيضاً، إذا تم فرض ضرائب على الثروة على النمط السويسري أو بطريقة «وارين»، بعبارة أخرى، فإن الضرائب على الأغنياء لن تفعل الكثير للحد من عدم المساواة. والعائدات التي تم جمعها يجب أن تنتشر بشكل ضئيل للغاية. بالنسبة لإحصائيات تركيز الثروة التي طرحها «بيكيتي» والاقتصاديون والسياسيون الذين لديهم نفس الطريقة من التفكير، فلن يكون الأغنياء وحدهم ولا الأغنياء بالإضافة إلى الطبقة المتوسطة أثرياء بما يكفي لدعم الأكثر فقراً في ظل أي مخطط لضريبة الثروة يكون مجدياً سياسياً.
والسبب الذي جعل البلدان الأوروبية تتخلص إلى حد كبير من فرض الضرائب على الثروة هو أنها اختارت استخدام ضرائب دخل تصاعدية للغاية وضرائب استهلاك عالية (الحد الأدنى لضريبة القيمة المضافة في الاتحاد الأوروبي هو 15%، في حين يبلغ المتوسط 22% تقريبا). وليس من السهل تحصيلها فحسب: بل إنها أيضا تولد إيرادات أعلى للحكومة، مما يساعد على السيطرة على عدم المساواة في الدخل –وهو أمر تفعله كل دولة أوروبية عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشكل أفضل من الولايات المتحدة. ربما تكون براقة مثل مقترحات ضريبة الثروة، لكنها لن تكون فعالة.
*كاتب روسي مقيم في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»