الليلة الماضية في «كلية لندن للعوم الاقتصادية» ذات الميول اليسارية، تجمعت أعداد من الطلبة من أجل مشاهدة نتائج الانتخابات؛ وكان معظمهم يمني النفس برؤية حزب رئيس الوزراء بوريس جونسون – حزب «المحافظين» - يُحرم من الأغلبية. فالبعض هنا كان قد تطوع للعمل لحساب أحزاب المعارضة أو شارك في تسجيل الناخبين؛ والجميع تقريباً كان يأمل في وقف جهود جونسون الرامية لتحقيق «بريكست».
وبالتالي، فعندما أشارت نتائج استطلاع لآراء الناخبين لدى خروجهم من مكاتب الاقتراع، كانت مسلَّطة على شاشة في خلفية الخشبة إلى فوز كاسح للمحافظين، سُمعت التأوهات والصرخات عبر القاعة. ومع مرور المساء، تأكدت التوقعات: لقد حصل «جونسون» على تفويض كبير بخصوص «بريكست»، بينما مُني حزب المعارضة الرئيسي، «العمال»، بأسوأ نتيجة له منذ عقود.
وتعليقاً على هذه النتيجة، قالت «إيلا هولمز»، وهي طالبة سياسة: «هذه النتيجة مثيرة للاستياء على نحو لا يصدق»، مضيفة: «كنا متحمسين ومسرورين أن يكون لنا صوت في هذه الانتخابات، وربما اعتقدنا على نحو ساذج أنه سيكون لدينا تأثير أهم (ضد بريكست) مما كان لدينا في السابق».
فوز جونسون الكبير في الانتخابات يوم الخميس، مثّل ضربة حاسمة للحملة الرامية لوقف بريكست. وقد شكّل الشباب جزءاً محورياً من تلك الحملة، ومن بينهم أولئك الذين كانوا أصغر سناً من أن يسمح لهم بالتصويت في استفتاء 2016 ورأوا فرصة لعكس مشروع سياسي يعتقدون أنه يعيق فرصهم المستقبلية، ويغيّر البلد الذي سيرثون إلى شيء غير مألوف. وكانت انتخابات الخميس الماضي آخر فرصة أمامهم، ولكن جونسون فاز بها بسهولة.
الآن، ليس لدى الشباب من أنصار حملة «البقاء» خيار آخر غير قبول حقيقة أن بريكست ستحدث. وبدلاً من مواصلة المقاومة، قد يكون بعضهم مستعداً للتحول الآن نحو المساهمة في رسم ملامح مستقبل ما بعد الاتحاد الأوروبي وجَسر الانقسامات الداخلية ومع بقية أوروبا.
تصويت الخميس كانت تفويضاً ناقصاً بالنسبة لبريكست. فقد حصل «المحافظون» وحزب «بريكست» على أقل من نصف الأصوات الشعبية. وذهب أكثر من النصف إلى أحزاب تعهدت بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، أو أحزاب وعدت بمراجعة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي وباستفتاء آخر، كما في حالة «العمال». ومحاولات تشكيل تحالف انتخابي تكتيكي معارض لبريكست لم تتمخض عن شيء بسبب رفض حزب «العمال» الانضمام.
إحدى مشاكل الجانب المدافع عن «البقاء» ضمن نقاش «بريكست» كانت لها علاقة بالجغرافيا: فخارج أسكتلندا، يتكدس ناخبو «البقاء» في المدن، التي لديها ناخبون أكثر شباباً وأكثر تعلماً ويميلون إلى اليسار. ويقول محللون إن أفضل مؤشر على الأصوات بخصوص «بريكست» ومواضيع أخرى هو السن، وليس الطبقة الاجتماعية.
وفي هذا الصدد، يقول سايمون بيا، وهو صحفي ومؤلف يحاضر بجامعة نيبيار في إدنبره: «في الولايات المتحدة يوجد ترامب. أما هنا، فبريكست. لم يسبق لي أبداً في حياتي أن رأيت مثل هذا الانقسام في الأعمار».
إيميلي دوغلاس، طالبة الجغرافيا بكلية لندن للعلوم الاقتصادية، قالت إنها لم تتطوع في هذه الحملة ولكنها بقيت منخرطة في النقاش السياسي مع الأصدقاء والعائلة، مدافعة عن ضرورة التصويت لصالح حزب العمال والبقاء في الاتحاد الأوروبي. كان عمرها 16 سنة عندما أجري الاستفتاء. «وكانت بريكست نقطة تحول؛ إذ أدركتُ أن علي أن انخرط وأن يكون لي رأيي الخاص».
بالنسبة للشباب الذي جُذب إلى السياسة بسبب «بريكست»، قد تكون ساحة المعركة انتقلت الآن إلى علاقة المملكة المتحدة المستقبلية مع أوروبا. ويقول بعض الطلبة إنهم يريدون العمل على التخفيف من تصاعد مشاعر معاداة الأجانب التي يحمّلون مسؤوليتها لـ«بريكست» وتركيزها على كبح الهجرة إلى المملكة المتحدة.
ولكن وبينما أخذ حلم وقف «بريكست» يموت ويتبدد، تبدو الكثير من الحركات السياسية والاجتماعية التي تزعمت المعركة – والنشطاء الشباب الملهمين - في حالة تفكك. وعلى سبيل المثال، فإن «صوت الشعب»، وهي منظمة ذات تمويل جيد كانت تطالب باستفتاء ثانٍ انهارت الشهر الماضي. وحزب «العمال» يواجه الآن فترة صعبة لإعادة بناء نفسه وإعادة رسم صورته بعد أن أعلن زعيم الحزب «جيريمي كوربن» اعتزامه التنحي أوائل العام المقبل. وحزب «الديمقراطيين الأحرار»، الذي تبنى أقوى موقف مناهض لـ«بريكست»، فشل في الفوز بمقاعد؛ لا بل إن زعيمته جو سوينسون خسرت مقعدها البرلماني (والمحافظون المتمردون الذي تخلص منهم جونسون وترشحوا كمستقلين خسروا أيضاً).
ويقول «ستيفن فيلدينج»، أستاذ التاريخ السياسي بجامعة نوتينجهام: «إن التنظيمات الشبابية (المعارضة لبريكست) باتت كلها في حالة أزمة». والواقع أن بعضها سيدعو إلى «المقاومة» ومحاولة استنساخ حركة «صوت الشعب»، ولكنها لن تحصل على الزخم اللازم، على اعتبار أن «جونسون» لا يخشى فقدان الأصوات، كما يقول. غير أنه «يمكنك أن تنظّم العدد الذي تريد من المظاهرات، ولكنها لن تفعل شيئاً للتأثير على البرلمان».
ولا شك أن الهزائم الانتخابية مرة، ولكن بالنسبة للنشطاء الشباب هناك دائماً الانتخابات المقبلة. وفي هذا الإطار، يقول توني ترافرس، أستاذ الحكومة بكلية لندن للعلوم الاقتصادية الذي استضاف أمسية انتخابات الخميس: «إنهم يستطيعون توجيه طاقاتهم نحو محاولة رسم ملامح السياسة المستقبلية للمملكة المتحدة، ونحو نسخة أكثر نعومة وعقلانية لبريكست من نسخة أكثر صلابة ومن دون اتفاق»، في إشارة إلى الاتفاق التجاري الذي يتعين على جونسون أن يناقشه الآن مع زعماء الاتحاد الأوروبي، مضيفاً: «ما زالت هناك أشياء بالنسبة للأشخاص الذين لا يعجبهم ما تدعو إليه بريكست».
*صحفي متخصص في الشؤون البريطانية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»