ما أعلنه فضيلة العلامة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس «منتدى تعزيز السلم» في ملتقاه الثاني من إطلاق جائزة المنتدى، يعد من أبرز المؤشرات المتضمنة للكثير من المعاني، وإعلان الخطوط العريضة، لرؤيتها المستقبلية من تعزيز القيم الجامعة بين التمسك بالثوابت، والاقتداء الحسن، والعمل الجاد، والدفع باستمرارية الإنجازات. الجائزة تتخطى الحدود والعراقيل، متجهةً نحو العناية والتقدير اللازمين للعقول العلمية والكفاءات مجتهدة الخطى، في درب السلم وتأصيل قيمه الرفيعة، لافتة بإطلاق «جائزة الإمام الحسن بن علي» رضي الله عنه وأرضاه. إلى استلهام العبر من موقف سبط الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم – وهدفه الرئيس حقن دماء المسلمين وصون وحدتهم وتماسكهم، كونه «الوضع الطبيعي»، الذي جاء به الإسلام.
جاءت هذه المبادرة منذ عام 2015، مشجعةً ومحفزةً على تكثيف الجهود في حيز الجهود الأكثر أهمية في الوقت الحالي، من تحقيق الترابط والتكاتف، واستنهاض الهمم، وتوثيق روابط الأخوة السامية فوق كافة الفروقات، والخروقات التي لا مكان لها ولا صحة لوجودها، إلا في طيات «أدمغة» التطرف، والكراهية التي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، بالتزامن مع عطاء المبادرات التي تقدمها الأيادي البيضاء، بحكمة القائمين عليها.
وكانت هذه الجائزة قد استحقها منذ أيام معالي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، أمين عام رابطة العالم الإسلامي، ذو الشخصية المميزة، المتمتع بإرادة قوية ومَلَكة في غاية الأهمية، لمكتسباته وخبرته في المجال القضائي، وبصيرته الناجعة دوماً نحو الدبلوماسية الدينية الناضجة، وإرساء معانيها وقيمها، إضافةً لاهتمامه البالغ في الدفع بتأصيل قيم الإسلام الرفيعة، وبخاصة رسالة «السماحة» المنبثقة من الإسلام، مؤكداً مرةً تلو الأخرى على نظرة الدين الحنيف للتعدد بعين الإيجابية، والثروة المغنية للمجتمعات.
ويعتبر معالي العيسى من النماذج الفاعلة التي أثبتت وعيها وبصيرتها واطلاعها على أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات المسلمة، لنجده يؤكد في لقاءاته وخطاباته على ضرورة بث المعاني والمفاهيم السليمة، ودحض المعاني المؤولة بلا مرجعية رصينة، مشيراً لأهمية النظر للنصوص الشرعية، بفهم بعيد عن العبثية والتفسيرات الملصقة بالمصالح الشخصية، ومشدداً على ضرورة إحاطة المتصدرين للدعوة والفتوى، بظرفية النصوص الشرعية، وتفاسيرها، مما يعني فهم الشريعة لا الانطلاق من اعتبار فهمها!
جائزة الإمام الحسن بن علي – رضي الله عنه – أعطيت تكريماً وتتويجاً لهذه الرؤية التي أثبت جدارتها معالي العيسى، مما يعني ضرورة الأخذ بقيمها والعمل على الدفع بها وبخاصة ما جاء به من الدعوة لفهم مقاصد النصوص الدينية الداعية للرحمة، والتعايش وتحقيق مصالح الأفراد، واستثمار ما وضعه الخالق إكراماً لبني البشر، وتوسيعاً عليهم، والبعد عن خطابات التضييق وتأجيج الصراع، وفي ذلك إشارة لنقطة جوهرية وضعها الإسلام، وأضاعها «الكثير»، فمنهم بسبب جهل، ومنهم بسبب اللهث وراء شعارات تفضي لمصلحته الشخصية أو الحزبية.
ولنا أن نتفكر في «الطموح» والإرادة المنبثقة من مبادرات «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، إذ يستمر مشروع «جائزة الإمام الحسن بن علي للسلم الدولية»، كأبرز المبادرات التي أطلقها المنتدى برعاية سخية من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، وبخاصة بعد منحها – على سبيل المثال لا الحصر- جائزة دورتها الأولى، للمفكر الهندي وحيد الدين خان، الذي يعتمد منهج السلم ومحاربة عقلية العنف والحرب، أساساً لمشروع حياته، إضافةً لجائزة دورتها الثانية الممنوحة لمبادرة «المنصة متعددة الأديان من أجل السلام»، التي أطلقتها قيادات دينية مسيحية ومسلمة في أفريقيا الوسطى.
هذه المبادرة هي إحدى الجهود الخيّرة التي تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة، تشجيعاً لتكثيف العمل في مجالات تصحيح ما شاب مفاهيم السلم، ذلك أن الكثير من العوامل أثرت بشكل أو بآخر لإلصاق المعاني الدخيلة، المؤثرة بالسلب على «مشروع السلم والتسامح» في مجتمعات العالم كله. وتعزيزاً لشعور المسؤولية والانتماء للأمة الإسلامية، وبعث المنهج الشرعي في تدبير الاختلاف بين مكوناتها لا الرجوع لآراء وأهواء الجماعات المتطرفة التي لا تنفك تكون عامل فرقة وتشتيت لثروة التعدد، وإبدال ذلك بأرضية راسخة تحتضن مفاهيم الأخوة الإنسانية، وتحتضن ثقافة التعايش والحوار وتطلقها من أرض التسامح إلى العالم.
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة