مر عام واحد تقريباً، منذ أن أعلن ترامب قائلاً: «أنا رجل الرسوم». وعلى غير عادته، كان ترامب يقول الحقيقة. وحالياً، لا أعرف عدد المرات الكثيرة التي انتعشت فيها الأسواق على أمل أن يخفف ترامب من حربه التجارية، لكنها تصحو على إعلان أن الصفقة المتوقعة بشدة لم تُبرم، أو على فرض رسوم على طائفة جديدة من المنتجات أو الدول. وعلى مدار الأيام القليلة الماضية حدث هذا ثانية، فقد راهنت الأسواق على التوصل إلى سلام تجاري بين الولايات المتحدة والصين، لكنها فوجئت بإعلان ترامب أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات وبفرضه رسوماً جديدة على البرازيل والأرجنتين.
ترامب، إذن، هو «رجل الرسوم الجمركية حقاً»، لكن لماذا؟ على كل حال، نتائج حربه التجارية كانت دوماً سيئة اقتصادياً وسياسياً. وسأقدم إجابة بعد قليل. لكن أولاً، دعنا نتحدث عما حققته فعلاً حرب ترامب التجارية. فأحد الجوانب الغريبة لاقتصاد ترامب، هو أن النمو الإجمالي قوي، لكن الضعف أصاب تحديداً المجالات التي حاول ترامب تحفيزها. وعلينا أن نتذكر أن الإنجاز التشريعي الكبير الوحيد لترامب تمثل في تقليص كبير للضرائب على الشركات، مما يفترض أن يؤدي هذا إلى زيادة في الاستثمار. لكن بدلاً من هذا، حصدت الشركات الأموال وتراجع الاستثمار الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، كان من المفترض أن تقلص حربه التجارية العجز في الميزان التجاري وتنعش التصنيع الأميركي، لكن العجز في الميزان التجاري تفاقم والناتج الصناعي يتقلص.
وحتى الاقتصاديون الذين عارضوا تقليص ترامب للضرائب وفرض الرسوم، اندهشوا من مدى سوء ما أدت إليه هذه الإجراءات. وأكثر التفسيرات شيوعاً لهذه النتائج السيئة، هي أن سياسة ترامب في الرسوم الجمركية تخلق الكثير من عدم اليقين، مما يعطي الأنشطة الاقتصادية حافزاً قوياً لإرجاء أي خطة قد تكون لديهم لبناء مصانع جديدة وخلق فرص عمل جديدة. لكن لماذا لم يفعل ترامب ما ظلت الأسواق تتوقع أن يفعله؟ وولع ترامب المستمر بالرسوم أمر غريب، بشكل خاص فيما يبدو، مع الأخذ في الاعتبار الأدلة المتزايدة على أنها تضره سياسياً.
من المهم أن ندرك أن حمائية ترامب لم تكن استجابة على توجه متصاعد في الرأي العام. وأفضل ما يمكنني قوله- بعد سلسلة لا نهائية من المقابلات على حفلات عشاء مع أشخاص من البيض- إن هؤلاء الناخبين كان يحركهم العداء للمهاجرين والشعور بأن الليبراليين المتغطرسين ينظرون إليهم باستعلاء، أكثر مما كان يحركهم السياسة التجارية. كما أن الرأي العام أصبح أقل تأييداً للحمائية فيما يبدو، حتى في الوقت الذي زاد فيه ترامب الرسوم. فقد ظلت نسبة الأميركيين الذين يرون أن اتفاقات التجارة الحرة أمر جيد في مستوياتها السابقة المرتفعة. ومن ثم، تخسر حرب ترامب التجارية الدعم ولا تكسبه. وتوصل تحليل في الآونة الأخيرة إلى أن الحرب التجارية أضرت بـ«الجمهوريين» في انتخابات التجديد النصفي، وكانت سبباً في خسارتهم عدداً كبيراً من المقاعد.
لكن ما سبب إصرار ترامب على موقفه؟ إحدى الإجابات هي أن ترامب ركز على فكرة أن الرسوم هي علاج لمشكلات أميركا، وأنه ليس من النوع الذي يعيد النظر في تحيزاته بعد ظهور أدلة تدحضها. لكن هناك إجابة أخرى، وهي أن قانون التجارة الأميركية يقدم لترامب حرية في الحركة أكثر من أي مجال آخر في السياسة- أي قدرة أكبر على فعل ما يريد. فمنذ عام 1930، قيد الكونجرس عمداً دوره في السياسة التجارية. وأعطى الكونجرس الرئيس سلطة التفاوض في الاتفاقات التجارية مع الدول الأخرى، التي تعرض فيما بعد للتصويت عليها دون تعديلات.
لقد كان من الواضح، دوماً، أن النظام بحاجة لبعض المرونة للاستجابة على الأحداث. ولذا حصل الفرع التنفيذي على سلطة لفرض رسوم جمركية مؤقتة، في ظل ظروف معينة، مثل تصاعد الواردات وتهديد الأمن القومي والممارسات غير النزيهة من حكومات أجنبية. والفكرة تمثلت في أن يقرر الخبراء غير الحزبيين مدى توافر هذه الشروط، وحينها يقرر الرئيس ما يفعله. وأجدى هذا النظام نفعاً لسنوات طويلة، لكنه أصبح شديد الهشاشة أمام ترامب، الذي لا يرى الأمور إلا في إطار حزبي ولا يأبه للخبرة. والتعليل الذي قدمه ترامب لفرض الرسوم كان واضح العبثية. فمن يتخيل أن واردات الصلب الكندي تهدد الأمن القومي الأميركي؟
لكن لا توجد طريقة واضحة لمنعه من فرض رسوم في أي وقت يروقه. ولا توجد وسيلة واضحة أيضاً لمنع مسؤوليه من منح أنشطة اقتصادية بعينها إعفاءات من المفترض أنها تقدم على أساس معايير اقتصادية معينة، لكنها تُمنح في الواقع مقابل دعم سياسي. وسياسة الرسوم ليست المعترك الوحيد الذي يستطيع فيه ترامب ممارسة رأسمالية محاباة المقربين- فالتعاقدات الاتحادية فضائحها تتزايد فيما يبدو- لكن الرسوم ملائمة بشكل خاص للتلاعب. وهذا هو ما يجعل ترامب رجل الرسوم. فالرسوم تسمح له بممارسة سلطة غير مقيدة، يكافئ بها أصدقاءه ويعاقب خصومه. ومن الوهم أن يتخيل أحد أن ترامب سيغير طريقته ويبدأ في التصرف بشكل مسؤول.
*أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/12/05/opinion/trump-trade-tariffs.html