الكتابة عن واقع الاقتصاد الإماراتي تبعث في نفسي التفاؤل بما يحمل هذا الواقع من مؤشرات إيجابية تكشف بوضوح أن النجاح باستمرار هو نتاج التخطيط السليم والعمل الجاد. وربما لأن لغة الأرقام لا تكذب ولا تتجمل لذلك تستهويني، فأجدها تضع النقاط على الحروف خاصة إذا كانت صادرة عن جهات دولية ومنظمات عالمية محايدة مشهود لها بالنزاهة، مثل المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) الذي يعد تقريراً سنوياً يقيّم من خلاله تنافسية 141 دولة.
ومؤخراً، ووفق أحدث تقارير التنافسية العالمية 2019 ورد أن دولة الإمارات حققت المركز الأول عربياً والمركز 25 عالمياً. فحسب صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي للإمارات عام 2019 بلغ 427,88 مليار دولار، كما أكدت إحصائيات ودراسات البنك الدولي أن الإمارات حظيت بنمو اقتصادي سريع يدعو للإعجاب طبقاً للمعايير العالمية، إذ يتميز الاقتصاد الإماراتي باستغلاله الأمثل لإيرادات النفط، والتوسع السريع في القطاع غير النفطي، والتوسع في الائتمان المقدم إلى القطاع الخاص، وهو الأعلى تنافسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووفق التقارير ذاتها، فقد تم التأكيد على أن الإمارات أصبحت وجهة عالمية في تقديم الخدمات، مع وجود قطاعات منافسة في عدة مجالات.
وإذا أخذنا القطاع السياحي مثالاً فإن الإمارات أصبحت بين أفضل 10 دول في العالم لقضاء العطلات، كونها تعتبر واحدة من بين الوجهات السياحية المفضلة عالمياً. والدراسات السياحية المتخصصة تؤكد أن الإمارات مؤهلة لتصدر مراتب متقدمة أكثر بين الوجهات السياحية المفضلة عالمياً خلال العقد المقبل، خصوصاً وأنها تستضيف فعاليات دولية مهمة ومهرجانات وكرنفالات كبيرة، إضافة إلى ما تتمتع به من مواقع وأماكن سياحية حديثة وشهيرة مثل لوفر – أبوظبي. وبالتالي فإن كل التقارير العالمية الموثقة تؤكد أن النموذج الإماراتي في التنمية أصبح ملهماً، وله عوامله الجاذبة لكافة دول العالم النامي التي تطمح إلى اعتلاء مراكز ناهضة في الاقتصاد العالمي، ولا شك أن منتدى الإمارات الاقتصادي – دبي يبحث كل ما له صلة بموقع الإمارات على الخارطة الاقتصادية العالمية.
والمنتدى هو ثمرة تعاون بين وزارة الاقتصاد من ناحية والدوائر الاقتصادية في جميع إمارات الدولة. وهو يستلهم أهدافه من (رؤية الإمارات 2021)، و(الاستراتيجية الوطنية للابتكار)، بالإضافة إلى (أجندات 2030) التي تشمل (الرؤية الاقتصادية 2030) لإمارة أبوظبي و(استراتيجية دبي الصناعية 2030)، ومن جهة ثانية يعتبر هذا المنتدى أحد أبرز الفعاليات الاقتصادية المحلية السنوية المعنية بتسليط الضوء على الخطط الاستراتيجية الحالية وعلى مستقبل التخطيط الاقتصادي على المدى القصير والمدى المتوسط فيها.
ليس سراً أن الاقتصاد هو أحد أذرع القوة الناعمة، وهو ما تركّز عليه الإمارات محلياً ودولياً حيث سعت إلى تحقيق التعاون مع شركاء دوليين في عدة مجالات اقتصادية، وكان ذلك الأمر جزءًا من الرؤية التي وضعتها الدولة لتنمية اقتصادها، فعملت على توثيق وتعميق علاقتها مع عمالقة آسيا، كالصين والهند وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول المؤثرة اقتصادياً. وفي الوقت ذاته فتحت آفاقاً اقتصادية أخرى في مناطق مختلفة من العالم. فتعاونت مع عدة دول أفريقية، حتى صارت ثاني أكبر دولة في الاستثمار في تلك الدول بعد الصين، متجاوزة بنجاح العديد من القوى العظمى بما تملك تلك القوى من ثقل ونفوذ دولي.
إن إنجاز الإمارات في القارة السمراء لم يأت من فراغ، ولم يكن أبداً وليد الصدفة، إنما هو ثمرة جهود دؤوبة استمرت لعدة سنوات عُقدت خلالها العديد من اللقاءات التشاورية، والزيارات الميدانية، ودراسات جدوى، إلى جانب استضافة المؤتمرات والاجتماعات، وكان آخرها المنتدى العالمي الأفريقي للأعمال الذي عقد في نوفمبر الماضي. ويعد أحد أبرز الفعاليات العالمية التي تركز على قطاع الأعمال في قارة أفريقيا، ويسلط الضوء على الإمكانات والفرص التجارية والاستثمارية في القارة. ويجمع بين قادة وممثلي حكومات الدول الأفريقية وكبار المسؤولين التنفيذيين للشركات الأفريقية من جهة، وكبار المسؤولين الحكوميين وقادة مجتمع الأعمال والمستثمرين من جهة ثانية، والإمارات واحدة من الدول المهتمة بهذا المنتدى الذي تناقش فيه مع المعنيين أهم فرص النمو والاستثمار والتجارة المتوافرة فيها.
ولأننا أمام مرحلة جديدة من مراحل العولمة، فإن التركيز على أهم متطلباتها يكمن في الاستفادة مما توفره التكنولوجيا وأدوات الثورة الصناعية الرابعة من إمكانات وفرص لمواجهة التحديات المستقبلية، ومن أجل ذلك وبالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، افتتحت حكومة الإمارات في أبريل الماضي مركز الثورة الصناعية الرابعة في دبي ليكون الأول من نوعه في المنطقة والخامس عالمياً ضمن شبكة مراكز المنتدى الاقتصادي العالمي الهادفة إلى تطوير حلول للتحديات المستقبلية وتحويلها إلى فرص، وبناء نماذج عمل جديدة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة لبناء مستقبل أفضل للمجتمعات.
إن الإمارات بما تساهم به وبفاعلية في الجهود العالمية لتطوير نماذج عمل جديدة تعتمد على التكنولوجيا، فإن ذلك يعزز موقعها كشريك فاعل ومؤثر في رسم وتشكيل ملامح مستقبل العالم. والإنجازات التي حققتها الدولة على الصعيد الاقتصادي هي بالتأكيد علامات مهمة في طريق التنمية المستدامة والازدهار الشامل، ذلك أن الوصول إلى الرقم واحد عالمياً وفي قطاعات عديدة، من بينها الاقتصاد، هو الحلم الذي تعمل من أجله كي يتحقق لها في المستقبل.