يختلف التعاون والتنسيق السعودي الإماراتي عن كل ما سبقه من أشكال التعاون والتنسيق العربية، فقد تحول في غضون فترة وجيزة إلى الرقم الصعب في تحديد العديد من المسارات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية في المنطقة، من خلال إعادته هيكلية موازين القوى بين ضفتي الخليج العربي، ما يعني أن هناك قوة كبيرة صاعدة تتشكل بصورة سريعة تعتمد على أسس راسخة وقواعد اقتصادية وتحالف سياسي سيحدد مسارات التطورات القادمة، ويساهم في الاستقرار والتنمية.
لا يمكن الخوض في هذه القضايا المهمة كافة التي شملتها اتفاقيات التعاون الاستراتيجية الواردة ضمن عمل مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، لذا سنكتفي هنا بالجوانب الاقتصادية وتأثيراتها، والتي تشكل أحد أهم أعمدة هذا الصرح الذي يتبلور شيئاً فشيئاً من خلال الاجتماعات السنوية للمجلس، والذي عقد دورته الثانية الأسبوع الماضي بالعاصمة أبوظبي.
ومن الملاحظ أن عملية التكامل الاقتصادي بين البلدين تسير بصورة حثيثة نحو خلق كيان اقتصادي قوي ومؤثر ومتوازن. فالتبادل التجاري بين البلدين على سبيل المثال يتوقع أن يتضاعف العام الحالي ليصل إلى 40 مليار دولار، مقابل 20 مليار دولار عام 2018، وهو مؤشر قوي إلى تصميم قيادتي البلدين على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه ضمن أطر التعاون بمشاركة القطاعين الحكومي والخاص.
وفي الوقت نفسه، نما عدد المشاريع السعودية العاملة في الإمارات إلى 206 مشاريع من خلال وجود 2366 شركة سعودية باستثمارات تبلغ 10 مليارات دولار، مقابل 114 مشروعاً إماراتياً تعمل في السعودية برؤوس أموال تبلغ 4 مليارات دولار.
أما الاتفاقيات الجديدة الموقعة ضمن استراتيجية العزم، فستنقل البلدين إلى مواقع جديدة غير مسبوقة، إذ يجري العمل على تنفيذ 44 مشروعاً استراتيجياً مشتركاً في القطاعات الصناعية والخدمية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والزراعة والذكاء الاصطناعي والصناعات العسكرية والأمن الغذائي والفضاء والبنى التحتية، باستثمارات تبلغ 150 مليار دولار، وذلك من خلال 11 مذكرة تفاهم و20 اتفاقية، وضعت جداول زمنية وجهات اختصاص لضمان تنفيذها.
واحتل القطاع السياحي أهمية كبيرة ضمن هذه التوجهات المشتركة، خصوصاً أن الإمارات تحولت إلى أحد أهم مراكز الاستقطاب السياحي في المنطقة، في حين أعلنت السعودية مشاريع سياحية عملاقة وتسهيلات في مجال التنقل، حيث اتفق الجانبان على تطبيق تأشيرة مشتركة في العام القادم 2020، وهو ما يتيح للسائح التنقل بين البلدين بتأشيرة البلد الآخر نفسها.
وتشمل أوجه التعاون والتنسيق أيضاً الاستثمارات الخارجية، ما يمنح التحالف قوة تفاوضية وسياسية مؤثرة في العلاقات الدولية، حيث أعلن على سبيل المثال عن استثمارات مشتركة كبيرة في الهند من خلال إقامة أكبر مصفاة للنفط هناك، إذ تم تشكيل مجلس مشترك لتنسيق الاستثمارات الخارجية، كما يشمل التعاون الخارجي التنسيق في السياسات الاقتصادية الخارجية، وبالأخص السياسات النفطية، حيث تستحوذ الدولتان على 15% من إنتاج النفط العالمي و23% من احتياطيات النفط في العالم.
لذلك، فإن التعاون الإماراتي السعودي يعيد تشكيل الموازين في المنطقة، بما فيها الاقتصادية، فالناتج المحلي الإجمالي للدولتين يبلغ تريليون دولار في الوقت الحاضر ليحتل المرتبة الخامسة عشرة كأكبر اقتصاد عالمي، إلا أن مع تنفيذ المشاريع الواردة ضمن لجنة التنسيق واستراتيجية العزم، ومن خلال القراءات الأولية، يتوقع أن ترتفع قيمة الناتج المحلي الإجمالي ليشكل اقتصادا البلدين عاشر أكبر اقتصاد عالمي في عام 2025.
أما التأثيرات الداخلية المباشرة لهذا التعاون والتنسيق الرائعين، فتتمحور حول تحقيق معدلات نمو متسارعة، وتوفير الكثير من فرص العمل، وخلق التنوع الاقتصادي، ورفع مستويات المعيشة، وإيجاد قوة اقتصادية عالمية تتوافر لها الكثير من مقومات النجاح، كالسوق الكبيرة نسبياً، والموارد المالية والطبيعية الهائلة، والقوى البشرية الشابة والمؤهلة، والبنى التحتية المتطورة، والعزم والثقة المتبادلة، والرؤى المستقبلية المخلصة والواثقة بالمستقبل وبالقدرة على إحداث التغيير.

*مستشار وخبير اقتصادي