أعلنت كوريا الشمالية أنها تخطط لإنهاء المحادثات النووية نهاية العام الجاري والعودة إلى نمط خطير من الاستفزاز والتصعيد، حيث قامت بإطلاق صاروخين في بداية عطلة عيد الشكر. فهل استعدت إدارة ترامب لهذا التحدي الضخم فيما يترشح الرئيس دونالد ترامب لإعادة انتخابه؟ إن تصرفاتها تجاه الحلفاء الإقليميين تشير إلى أن الجواب هو «لا».
وقد أمضى وزير الدفاع «مارك إسبر» أسبوعاً في آسيا هذا الشهر، ظاهرياً لطمأنة الحلفاء فيما يتعلق بالتزام أميركا تجاه المنطقة وتعزيز العلاقات التي يقوم عليها أمننا المشترك. ولكن كان من الواضح طوال الرحلة أن تصرفات ترامب قد وضعت هذه العلاقات تحت ضغوط شديدة وغير ضرورية.
وبينما كان «إسبر» يروّج للعلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في سيؤول، جاءت أخبار تفيد بأن ترامب كان يطالب سيؤول بدفع نحو 5 مليارات دولار لتغطية تكاليف القوات الأميركية المنتشرة هناك، أي زيادة بنحو خمسة أضعاف ما تدفعه. وقد يعتقد ترامب أن هذا هو «فن الصفقة»، ولكن بالنسبة لحكومة الرئيس «مون جاي-ان»، تعد هذه إهانة من غير الممكن لأن يقبلها سياسياً. ولا يمكن لإسبر، الذي لا يستطيع أن يناقض ترامب علناً، أن يقول فقط إن كوريا الجنوبية «دولة ثرية وإنها تستطيع، بل يجب عليها أن تدفع المزيد».
وفي محطته التالية في بانكوك، عقد «إسبر» مؤتمراً صحفياً مع وزير الدفاع الكوري الجنوبي «جيونج كيونج -دو» وأعلن تأجيل تدريب الطيران المشترك، وهو تدريب عسكري مشترك أصبح بالفعل نسخة مخفضة من التدريبات السنوية التي يُطلق عليها «فيجيلانت آس». وقال «إسبر» مدافعاً عن قرار آخر اتخذه الرئيس: «لا أرى هذا تنازلاً، بل جهداً يدل على حسن النوايا.. لتحقيق السلام». هناك منطق للتأجيل. فالإدارة تريد إعطاء «كيم جونج أون» كافة الحوافز للعودة إلى المحادثات وعدم السماح له بالتذرع بمزيد من الأعذار. وقد دعا إسبر «كيم» إلى الرد بالمثل على هذه اللفتة، ولكن بدلاً من ذلك، في اليوم التالي تم الإعلان عن حضور الزعيم الكوري الشمالي تدريباته القتالية.
واستضاف «إسبر» أيضاً اجتماعاً ثلاثياً لحث نظيريه الكوري الجنوبي والياباني على تجنب إفشال اتفاقية ثلاثية لتبادل المعلومات الاستخباراتية. وقال إسبر إن التوترات بين سيؤول وطوكيو لن تفيد سوى بكين وبيونج يانج.
ومن ناحية أخرى، يمارس ترامب ضغوطاً على اليابان لزيادة مدفوعاتها للقوات الأميركية المتمركزة هناك بشكل كبير. فإذا كانت ممارسة ضغوط على حلفائنا هو هدف الصين وكوريا الشمالية، فإن ترامب يؤدي هذا الواجب نيابة عنهما، من خلال دفع قضية تقاسم التكاليف في أسوأ وقت تماماً.
وفي طريق «إسبر» عائداً من آسيا إلى الوطن، نفى البنتاجون بشدة التقرير الذي نشرته صحيفة «تشوسون إيلبو» والذي أفاد بأن ترامب يفكر في سحب لواء واحد للقوات الأميركية من كوريا الجنوبية. وبغض النظر عن صحة هذه القصة بالذات، فإنها ضاعفت المخاوف بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة؛ لأن الجميع يعلم أن سحب القوات من كوريا الجنوبية هو أمر يتحدث عنه ترامب طوال الوقت.
وحدد «كيم» 31 ديسمبر موعداً نهائياً للمحادثات النووية. هذا هو نفس الموعد النهائي لمفاوضات تقاسم التكاليف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. كان من شأن أي إدارة طبيعية أن تركز على الموعد الأول ولا تقلق بشأن الموعد الأخير. لكن ترامب يريد أمواله، حتى على الرغم من أنه يقوض استراتيجيته الخاصة بكوريا.
وقال «جويل ويت»، المفاوض النووي السابق في كوريا الشمالية: «الإدارة لا تربط النقاط بشأن ما يحدث بيننا وبين كوريا الشمالية، وبيننا وبين حلفائنا». وأضاف: «إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، علينا أن نضغط على زر الاحتواء الافتراضي، ونجاح ذلك يعتمد على تعزيز التحالفات ووجود استراتيجية للتعامل مع روسيا والصين».
وقال مسؤولون أميركيون، في الواقع، إن إدارة ترامب تستعد بهدوء لاحتمال قيام «كيم» بإفشال المحادثات والقيام بشيء متهور، مثل إطلاق صواريخ عابرة للقارات أو اختبار سلاح نووي آخر. لكنهم قالوا أيضاً إنه إذا فعل «كيم» ذلك، فإنه سيبدأ سلسلة من الأحداث التي تكون كلها سيئة بالنسبة له، من خلال إعطاء بلدان أخرى سبباً لتعزيز الردع وزيادة العقوبات ضد نظامه.
إذا انهارت مفاوضات كوريا الشمالية، فإن هذا لن يحدث مرة واحدة. فكل من ترامب ومون لديهما حوافز سياسية لاستمرارها، حتى ولو على أجهزة دعم الحياة. لكن هذا سيجعل العودة إلى حملة الاحتواء والردع وممارسة «أقصى الضغوط» أكثر صعوبة.
ستكون الأزمة القادمة مع كوريا الشمالية خطأ «كيم»، بيد أن ذلك لن يكون عزاءً كبيراً إذا كنا غير مستعدين. ويجب على فريق ترامب أن يشرحوا له أن «النار والغضب» ليس منصة جيدة لإعادة انتخابه. إن حماية الولايات المتحدة من خلال تعزيز التحالفات التي تعتمد عليها، وليس مهاجمتها، هو المسار المسؤول الوحيد.

*كاتب أميركي متخصص في قضايا الأمن القومي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جوش روجين –كاتب عمود للرأي في صحيفة واشنطن بوست