أعلن وزير الداخلية الهندي «أميت شاه» قرار حكومة الحزب الحاكم «بهاراتيا جاناتا» بتدشين المسعى الخاص بتسجيل الجنسية على امتداد البلاد. وهذا المسعى يطلق عليه «التسجيل القومي للمواطنين» ويستهدف، بحسب قول «أميت شاه»، تنقية النظام من الأجانب أو المهاجرين غير الشرعيين. لكن كثيرين يرون في المسعى وسيلة تستهدف جماعات الأقليات والمسلمين منهم بخاصة. وهذا لأن الحكومة صرحت بجلاء أنها تعتزم تقديم تشريع جديد يسمح للاجئين من الأقليات الدينية الأخرى مثل الهندوس والبوذيين والسيخ والزاردشتيين والمسحيين بأن يأتوا من أفغانستان وبنجلادش وباكستان ليُمنحوا الجنسية الهندية.
ورغم أن هذا التشريع الجديد لم يقره البرلمان بعد لكن مجرد محاولة الحكومة عرض هذا التشريع يوضح بلا لبس نوايا الحكومة. فهو يوضح أن الغرض الأساسي من مسعى تسجيل الجنسية هو التخلص ممن يشتبه أنهم مهاجرون مسلمون وحدهم. وتم تطبيق المسعى أول الأمر في ولاية «آسام» الهندية التي تشترك في الحدود مع بنجلاديش عن طريق وضع قائمة من الناس لديهم وثائق تثبت أنهم يعيشون في الولاية قبل تاريخ 1971 حين حصلت بنجلادش على استقلالها من باكستان. ونحو 33 مليون من السكان تم التحقق منهم في العملية، ووجد 1.9 مليون منهم أنفسهم مستبعدين.
لكن البعض ينظر إلى العملية باعتبارها تمثل إشكالية كما أديرت بطريقة عشوائية. حتى حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم نفسه أصيب بالصدمة، حين أدرك أن كثيرين من الهندوس كانوا ضمن القائمة، لأنهم لم يستطيعوا تقديم الوثائق المطلوبة كي يثبتوا جنسيتهم وفقا للمعايير التي وضعتها الحكومة. وبعد أن أدركت الحكومة أن كثيرين للغاية من غير المسلمين كانوا ضمن قائمة المستبعدين، أعلنت أن العملية كلها ستعاد في الولاية. وذكرت تقارير أن نسبة كبيرة في قائمة المستبعدين والتي تبلغ 1.9 مليون فرد من الهندوس الذين يريد الحزب الحاكم أن يسترضيهم من خلال مسعى تسجيل الجنسية.
والآن يعلن وزير داخلية البلاد أن مسعى تسجيل الجنسية سيطبق على امتداد البلاد. وبدأ الخوف ينتشر وسط بعض الأقليات بخاصة، بعد اقتراح توسيع تطبيق العملية لتشمل كل البلاد حتى في الولايات التي بلا حدود مع أي دولة أخرى وليس لها مشكلات كبيرة في الهجرة أو اللاجئين، مثل ولاية اترابراديش وهاريانا ومادهيابراديش. ومن ثم، فمن الواضح أن هذا ليس إلا تحركا سياسيا.
وفكرة تسجيل الجنسية تتسبب بالفعل في شعور بعدم الراحة والخوف في أنحاء من البلاد. فقد بدأ الناس في ولاية البنغال الغربية التي تتاخم ولاية آسام يقفون في طوابير أمام المكاتب البلدية والحكومية كي يصلحوا أخطاء في وثائقهم ويحصلوا على شهادات ميلاد ووثائق أخرى. وحالة الخوف انتشرت بسبب تصريحات من زعماء حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم الذين يؤكدون أن ولاية البنغال الغربية ستكون التالية في مسعى تسجيل الجنسية. ويتزعم حكومة ولاية البنغال الغربية رئيسة الوزراء «مامتا بينارجي»، التي صرحت مراراً بأنها لن تسمح بتطبيق عملية تسجيل الجنسية في الولاية معلنة أن بعض الناس ينتحرون من شدة خوفهم من فقدان الجنسية.

من الواضح أن عملية التسجيل للجنسية على امتداد الهند ستؤدي إلى اضطراب في بعض الولايات حين تقرر الحكومة الاتحادية المضي فيها قدما. وفي ولاية «آسام»، هناك تصور يكتسب زخماً سريعا ومفاده أن الحزب الحاكم يحاول تقليص عدد الناخبين الذين يصوتون تقليديا لحزب «المؤتمر الوطني». ومحاولة تطبيق هذه العملية في باقي البلاد ستدفع البلاد نحو وضع صعب.
ولا شك في أن الحكومة بحاجة إلى إصلاح مشكلة المهاجرين غير الشرعيين في البلاد. لكن الطريقة التي اتبعتها الحكومة في ولاية «آسام» لا توحي بالثقة بالنسبة للولايات الهندية الأخرى. والقضية الأخرى تتعلق بالسؤال عما تعتزم الحكومة القيام به تجاه الذين سيصبحون بلا جنسية. وحتى الآن يبدو أن الحكومة ليس لديها إلا القليل للغاية من الأفكار بشأن كيفية التعامل مع الملايين الذين يوشكون على فقدان الجنسية. فلا يرجح أن تستقبل دولة بنجلادش المجاورة أيا منهم. وليس لدى الهند منشآت لاحتجاز مثل هذا العدد الكبير من الأشخاص. وحتى ولاية «آسام» التي تم تدشين هذا المسعى فيها، ليس لديها مركز احتجاز. والحكومة سمحت حالياً ببناء مركز احتجاز يمكنه استيعاب 3000 شخص في ولاية «آسام»، لكن ما العمل إذا أصبحت الأعداد بالملايين؟ فالهند ليس لديها ببساطة القدرة على استيعاب هذه الأرقام الكبيرة. ولذا، ربما تتجه البلاد نحو أوقات من اللايقين ومن المهم أن تهدئ الحكومة مخاوف جماعات الأقليات.
رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.