يُعد «كاي فو لي» أحد أبرز المتخصصين في الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم. ولديه تكهنان رئيسيان في هذا الصدد: أولهما أن الصين ستفوز في معركة الذكاء الاصطناعي، وثانيهما أن تطور الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى أزمة عالمية. ووفق «كاي فو لي»، فإن الأدوات التي تمتلكها الصين هي وفرة هائلة في البيانات، ورواد أعمال طموحين، وباحثين متخصصين في الذكاء الاجتماعي، وبيئة سياسية مواتية لهذا القطاع. فالنموذج الاقتصادي الصيني يقتضي نفقات جنونية وفيالق من العمال الذين يتقاضون أجوراً زهيدة. ونظراً لتضافر كل هذه العوامل، تستعد الصين للهيمنة على منافسيها. فهذه الشركات، التي تسارع للمغامرة في الجوانب الأقل متعة من أنشطتها، تحوّل البلد إلى جنة للبيانات الرقمية، يساعدها في ذلك حجم السكان، وانقياده النسبي لتوفير بياناته، بما في ذلك بياناته الخصوصية.
أما في الولايات المتحدة فيُنظر إلى مراكز ابتكار وحواضن مموَّلة من قبل الدولة، على أنها إهدار لأموال دافعي الضرائب. هذا، بينما يرى الفاعلون الأقوياء في منطقة السيليكون فالي أن أفضل ما يمكن أن تقوم به الدولة، في هذا الصدد، هو أن تركهم في سلام.
المخطط الصيني للذكاء الاصطناعي خطط له على أعلى مستوى رسمي، لكن العمل الحقيقي يتم على الصعيد المحلي، تحت قيادة عُمد المدن والمنتخَبين الذين يسخّرون كل طاقتهم على شكل إعانات ومساعدات للحواضن ولمناطق التنمية ذات الأولوية.
وقد ارتفع عدد الهواتف الذكية في الصين من 233 مليوناً عام 2009، إلى 500 مليون عام 2013، إلى 753 مليوناً في نهاية 2017. هذا في حين أنه في عام 1998، عندما أنشئت «غوغل»، لم تكن نسبة السكان الصينيين الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت تتجاوز 0.2% مقابل 30% بالنسبة للأميركيين. وهكذا، يمكننا أن نرى حجم وسرعة التدارك والتجاوز الصينيين.
ومن جهة أخرى، فإن الكثير من رواد الأعمال الصينيين العاملين في مجال التكنولوجيا العالية، هم نتاج سياسة الطفل الواحد وهم يحملون على كواهلهم آمال عائلات بأكملها في حياة أفضل (الوالدان والأجداد الأربعة). وعندما كانوا صغاراً، لم يكن يقال لهم إن عليهم أن يغيروا العالم، وإنما كانوا يلقنون طرق البقاء والاستمرار. وبالتالي، فإنهم يتحلون بقدر كبير من التصميم وقوة العزيمة.
التنظيم العالمي الناتج عن الذكاء الاصطناعي سيجمع خاصيتين رئيسيتين: اقتصاد يقضي فيه المنتصر على كل المنافسين، وتركز غير مسبوق للثروات في خزائن عدد صغير من الشركات الصينية والأميركية. وبالتالي، فإن تفشي البطالة، والتفاوت الاجتماعي الصارخ، والاضطرابات الاجتماعية، والأزمات السياسية.. كلها مما ينبغي توقعه مستقبلاً.
العمالقة السبعة للذكاء الاصطناعي وأغلبية ساحقة من المهندسين الموهوبين يتركزون في الولايات المتحدة والصين. وكلما راكم الفاعلون البيانات، أصبح صعباً على المنافسين من البلدان الأخرى، أياً كانت، منافستهم. غير أن هذه العملية يمكن أن تحدِث هوة بين أغنياء الذكاء الاصطناعي وفقرائه.
كما أن الأرباح التي تخلقها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كانت من نصيب الـ1% الأكثر غنى، وتسببت بالتوازي مع ذلك، في ركود للطبقة المتوسطة وانخفاض للعائدات بالنسبة للأكثر فقراً.
ومن جهة أخرى، سيكون الذكاء الاصطناعي قادراً، من الناحية التقنية، على تعويض 40 إلى 50% من الوظائف في الولايات المتحدة, في غضون 15 سنة المقبلة.
في الماضي، كانت البلدان الفقيرة مندمجة في العولمة، بفضل أيديها العاملة الرخيصة. لكن العدد الكبير من العاملين الشباب الذين كانوا يمثّلون القوةَ الرئيسية لهذه الدول سيصبحون بمثابة عائق لأنهم غير قابلين للتشغيل. ونتيجة لذلك، سيتحول إلى كتلة هائلة من الأفراد غير القادرين على إيجاد وظائف منتجة.
وفي هذا السياق، يختار «كاي فو لي» رهاناً آخر لتقليل التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي. ويتعلق الأمر هنا ببناء مستقبلنا المشترك، بصفتنا فرداً وبلداً ومجتمعاً عالمياً: أي محاولة ربط قدرة الذكاء الاصطناعي وفكر البشر وقدرته على الحب. فإذا تمكنا من خلق هذا التعاون، يكتب «كاي فو لي»، فسنكون قادرين على خلق الرخاء والازدهار، بفضل قدرة الذكاء الاصطناعي نفسه، مع بقائنا مرتبطين بإنسانيتنا العميقة. والأنشطة المفيدة اجتماعياً يمكن أن تموَّل مثلما تموَّل الأنشطة المنتجة اقتصادياً في الوقت الحالي. هذا من دون شك ينم عن قدر كبير من التفاؤل، لكن إشارة الخطر التي يطلقها ضرورية.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس