المنطقة، وبلا مواربة، ترسو على صفيح ساخن منذ «الربيع العربي» وآثاره التي لم تتوقف عن تفعيل فعل السلب في الأمة.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقبل انتهاء فترة رئاسته الأولى، وفي ظل ظروف لا تضمن له فترة رئاسية ثانية بسبب استعجال خصومه الديمقراطيين على إجراءات عزله، لا يريد أن تصل منطقة الشرق الأوسط إلى بر الأمن والاستقرار إلا على يديه شخصياً. وقد زاد طين المنطقة بِلة، كما يقال، عبر إقراره «شرعية» الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم أنف القانون الدولي وكل قرارات الأمم المتحدة التي تجرم هذا الفعل التعسفي الجائر.
ترامب جس نبض العرب والمسلمين في خطوة نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس عام 2017، عبر خلق واقع مفروض على الأرض، هلامي الطبيعة لا شرقي ولا غربي. هذا النقل لم يحدث شيئاً ذي بال، إذن فلننتقل -كما هو لسان حال ترامب- للمرحلة التالية بعد أن توقف نبض الأمة العربية كما أظهر رد فعلهم الضعيف على الخطوة العملية السابقة.
واليوم تقر أميركا ما كان محرماً دولياً بانحيازها الشديد لإسرائيل، باعتبار الاستيطان الذي قلع الفلسطيني من جذوره أمراً اعتيادياً ومقبولا، بل ومشروعاً وفق ترامب.
لن نذهب بعيداً، ففي هذا الإطار نشرت صحيفة «The Independent» تقريراً تناول تبعات قرار الإدارة الأميركية اعتبار المستوطنات الإسرائيلية غير مخالفة للقانون الدولي. يقول التقرير إن موقف الإدارة الأميركية تاريخياً كان على الدوام واضحاً باعتبار المستوطنات الإسرائيلية مخالفةً للقانون الدولي، لكن تصريحات بومبيو الأخيرة تؤكد تغير الموقف الأميركي. ويوضح التقرير أن «هذا الإعلان يمثل تغييراً رئيسياً ومفاجئاً في السياسات الأميركية المستقرة في منطقة الشرق الأوسط»، رغم أن إدارة ترامب اعترفت بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل منذ حوالي العامين، وقبل أشهر اعترفت بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية.
وفي المشهد الفلسطيني، فلنرى عن قرب وصف القيادي الفلسطيني محمد دحلان، عبر صفحته الرسمية على «الفيسبوك»، تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حول المستوطنات الإسرائيلية واعتبارها غير مناقضة للقانون الدولي.. بأنه انقلاب جذري على المبدأ القانوني حول عدم جواز الاستحواذ على أراضي الغير بالقوة، داعياً القوى الفلسطينية لعقد مؤتمر وطني شامل يجسد موقفاً وطنياً موحداً، وينهي كل الالتزامات المترتبة على اتفاقيات أوسلو، وينهي بصفة خاصة كل أشكال التعاون والتنسيق الأمني لأجهزة الأمن والمخابرات الفلسطينية مع نظيراتها الإسرائيلية والأميركية.
أما مواقف الرفض العربية للشرعنة الأميركية للاستيطان، فنعرج عليها بداية من مصر التي صرحت خارجيتها بأن وضع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة غير قانوني ومنافي للقانون الدولي، وبأن مصر ملتزمة بقرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بوضع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.. ومروراً بالأردن الذي أعلن وزير خارجيته أن المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين تمثل خرقاً للقانون الدولي وتقويضاً لفرص تحقيق السلام الشامل، وأن الموقف الأردني راسخ فيما يتعلق بإدانة المستوطنات الإسرائيلية وبالتحذير من خطورة الموقف الأميركي الأخير إزاء المستوطنات، والمتعارض تماماً مع القانون الدولي.
هذا بينما أعلن المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني أن الخطوة الأميركية بشأن المستوطنات تتعارض تماماً مع القانون الدولي، وأن الإدارة الأميركية غير مخولة بإلغاء قرارات الشرعية الدولية، ولا يحق لها إعطاء أي شرعية للاستيطان الإسرائيلي.. لذلك فإن السلطة الوطنية الفلسطينية تطالب دول العالم برفض وإدانة الخطوة الأميركية الأخيرة بشأن الاستيطان، لأنها تهدد السلم والأمن الدوليين.
وفي جزء العالم الغربي، أشار الاتحاد الأوروبي إلى أن موقفه بشأن عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة لم يتغير.. بينما قامت السفارة الأميركية في القدس بإصدار تحذير من السفر للقدس والضفة الغربية وغزة.