استنفر البعض، لمقال كتبته على صفحات «الاتحاد»، تحت عنوان «عدن.. الأبعد عن مكائد الإخوان»(27/8/2019)، والاستنفار جاء لذكر الشَّيخ علي طنطاوي (ت1999)، بأنه أحد «الإخوان»، الذين توافدوا لإطلاق سراح «نَواب صفوي» الذي أعدم عام 1955، وهو قائد تنظيم «فدائيان إسلام»، بعد الحُكم على صفوي بالإعدام، بسبب الاغتيالات التي مارسها بإيران. كذلك هناك مَن تحدى أن يكون طنطاوي إخوانياً، وأنه ذهب إلى بغداد للغرض المذكور مع قياديين مِن الإخوان، على اعتبار أن صفوي كان قاتلاً ومتطرفاً، فقد اغتال تنظيمه أحمد كسروي(اغتيل1945)، الشخصية الوطنية الإيرانيَّة، والذي كانت له مؤلفات ضد رجال الدِّين.
كان الشَّيخ معن العجلي، قد نشر قصة الخلية «الإخوانية»، وهو أحد أعضائها، في كتابه «الفِكر الصَّحيح في الكلام الصَّريح»، ذكر فيها «العجلي» اسم طنطاوي بأنه أحد «الإخوان»، الذين وصلوا بغداد للعمل على محاولة تخفيف الحكم على «صفوي»، أو تهريبه من السجن، ذكرنا ذلك مفصلاً في(كتاب المسبار الشهري، خلية الإخوان المسلمين لإنقاذ نواب صفوي مِن الإعدام).
لسنا ضد تقدير الشيخ طنطاوي، ولكن لا يجب أن يكون إلى حدّ التقديس، وكأن مريديه يريدونه مثلما استمعوا إلى أحاديثه الوعظية الناعمة، أو ما لمسوه منه مِن طبع ينظرون إليه كأحد الملائكة! غير أن طنطاوي كتب سيرته بيده، نُشرت في ثمانية مجلدات، ولم يخف إخوانيته، فعندما وصل إلى بغداد(1936)، تأسف أنه لا يوجد أثر للإخوان هناك، معتبراً حسن البنا(اغتيل1949) مجدد الدين، وأورد الحديث: «إذا كان الله يبعث لهذه الأُمة كل مئة سنة مَن يُجدد لها دينها، فإن الشَّيخ حسن البنا هو مجدد هذا القرن»(طنطاوي، ذكريات 4 ص14). هذا، وهو يعتبر وجود اليهود في المدارس العراقية سبباً في عدم نشر فكر الإخوان(نفسه)، مع أن وجود هؤلاء بالعراق يعود إلى ألفين وخمسمائة عام، وعندما عاد إلى بغداد(1954) ضايقه وجود مُدَرسةٍ للأدب في الثانوية التي كان يُدرس فيها(1936)، تضايق كونها ليست على ما يتطلبه «الإخوان» مِن حجاب أو نقاب، لكنه عندما سألها أمام مدير الثانوية: هل أنتِ مسلمة؟! أجابته: «وما علاقة الدِّين بالأدب»! وعلقت يبدو أن الأستاذ معترض على تدريسي للمادة، فخرج غاضباً(نفسه).
نأتي إلى ما استفز مريدي طنطاوي، واعتبروه تلفيقاً منا عليه، وأساؤوا للباحث والأكاديمي الصديق حمزة المزيني، لأنه سند وجهة نظرنا، لكنّهم لم يعلموا أن الكتابة عن هذا الموضوع جزء مِن التَّاريخ، ولا يعني دراسته وكتابته لغرض القدح! غير أن مِن عوائد العقائديين يتقدم التَّقديس للأشخاص، ولا يسمح بغير ما اعتقدوا به، لذا مِن الصَّعب مناقشة عقائدي متشدد. عندما ذكر العجلي، وجود طنطاوي ضمن الخلية التي جاءت لتحرير صفوي من السِّجن بطهران؛ لم يكن يعلم أن طنطاوي قد أورد ذلك في ذكرياته، التي صدرت (1985)، بينما كتاب العجلي نُشر(2012)، قال طنطاوي: «انتدبوني أنا والأستاذ كامل الشَّريف(إخواني أردني)، لَما حُكم على أخينا نواب صفوي بالقتل، أن نذهب إلى طهران فنسعى للعفو عنه أو للرفق به، لما بلغنا بغداد منعونا مِن دخول إيران، وكأنهم كرهوا أن نذهب إلى النَّجف فنجتمع بعلمائها، لنتعاون معهم على ما جئنا نسعى به إليه، فقَدمت جماعة كبيرة مِن علماء الشِّيعة إلى بغداد، واجتمعنا في مسجد الكاظميَّة، فقلتُ لهم: إن نَواب صفوي أنتم أولى به، وأن قضيته قضيتكم، وأنه وإن لم يكن بعيداً منا، أقرب إليكم»(ذكريات 5 ص 149)، كان علي طنطاوي، شأن بقية الشَّخصيات «الإخوانيَّة»، على صلة متينة بصفوي، فعلى الرَّغم مِن تردده في بداية العلاقة معه بسبب تطرفه المذهبي، إلا أنها توثقت فيما بعد، فنراه يقول: «وأقول لكم إنني أحببته، لمِا لمستُ فيه مِن كريم الصِّفات»(نفسه).
لا شأن لنَّا بما بين طنطاوي وصفوي، مِن أواصر صداقة شخصية أو عقائدية؛ لكن ما علينا تثبيته أن الاثنين كانا غارقين بفكرة المشروع التَّوسعي للإسلام السِّياسي، المتمثل بشقيه الشيعي والسُّني، وأن طنطاوي أحد المدافعين عن ممارسة العنف كإخواني، ولم يكن نَواب صفوي إلا متطرفاً قاتلاً، ربَّما تغير طنطاوي فيما بعد، لكن ما ذكرناه عن ذكرياته أصبح جزءاً مِن سيرته. كانت الخلية، التي لم يذكر منها طنطاوي شخصه وكامل الشَّريف(ت2008)، كانت تتضمن عدداً مِن قيادات «الإخوان»، يتقدمهم الشَّيخ محمد محمود الصَّواف(ت1992)، مراقب «الإخوان» العراقيين الأول، هرعوا إلى بغداد مِن عدة بلدان، وكانوا جميعاً معجبين بنشاط صفوي المتطرف، حتى إن العجلي كتب فصلاً روى فيه الحادث، بعنوان «محطم العرش البهلوي»، وكان «إخوان» «مصر وسوريا وفلسطين» قد احتفوا به مِن قبل(خامه يار، إيران والإخوان المسلمين).
أنتهي إلى ما كان يقذفه طنطاوي، مِن إذاعة دمشق ضد حكومة العراق(1956)، ووصف رئيس الوزراء نوري السعيد(قُتل1958) لعلاقته بالإنجليز، ووصفه بالإبليس(طنطاوي، بغداد مشاهدات وذِكريات)، ضمن ما كان يحرض «الإخوان» ضده في حينها، لا ننكر على طنطاوي أنه كان أديباً، لكن كان حزبياً ومع العنف، لا يُرضيه إلا حُكم «الإخوان»، وطريقة صفوي في (النِّضال)، وكأن دم «كسروي»، وبقية الذين اغتالتهم منظمته «فدائيان إسلام» مجرد مياه، بينما دماء رفاقه سوائل مقدسة! قال الإمام الشَّافعي(ت204هجرية)، وروى أبو حامد الغزالي(ت505هجرية): «كلُّ العداوة قد تُرجى سَلامتها/إلا عداوة مَن عاداك عن حسدِ»(الرَّسائل)، ورويت أيضاً «عن دينِ».