يحتار المرء في أحايين كثيرة أيّ الموضوعات الملحة يختار للكتابة فيها، أيختار موضوعاً آخر غير مناسبة اليوم الدولي لإلغاء الرق، ويعرض فيه لاتفاقية الأمم المتحدة الحاملة للرقم 317 والصادرة في ديسمبر عام 1949 بشأن تجريم الاتجار بالبشر واستغلال الغير في ما لا تقرّه الطبيعة الإنسانية، ولا تشرّعه الأديان السماوية قبل القوانين الوضعية على الكوكب. ليقول إن هنالك أكثر من 40 مليون شخص من ضحايا الرق الحديث -بحسب تقارير منظمة العمل الدولية- إضافة إلى ما يزيد على 150 مليون طفل يعمل في درك السخرة، وهو ما يمثل قرابة واحد من كل عشرة أطفال في كل أنحاء العالم؟ من يعتقد أن العبودية هي مجرد بقايا تاريخية، يجانبه الصواب الذي ينطق به الواقع المغاير وبلغة الأرقام السالف ذكرها. لكن يبقى هنالك سؤال معلّق: ما الذي جعل تجارة الرق القديمة مستمرة رائجة إلى عصرنا هذا، ويجري تحديثها بين كل حقبة وأخرى، أو فلنقل بين كل عقد وآخر؟ ما العوامل التي إنْ حضرت وقامت، حضرت معها هذه التجارة المهينة وراجت؟ وهل لتلك العوامل الموجبة والجاذبة لهذا النوع من (البزنس) اللاإنساني أية علاقة بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية، كنتيجة للحروب الطاحنة التي تستهدف تفكيك (الدولة) وضرب مفهومها، على وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط والعالم الثالث عموماً؟ ثمة من يجيب بنعم عن هذا السؤال المحوري. فما هي الحجة؟ في تقرير حديث لمؤسسة (كارنيغي) في الشرق الأوسط بعنوان (آفاق العالم العربي). جاء في التمهيد (إن النظام العربي القديم الذي يتّسم بأنساق التسلّط السياسي آيلٌ إلى الأفول).
ويمضي التقرير مضيفاً (وبينما تستحيل العودة إلى مرحلة ما قبل عام 2011 -أي قبل ما سميَّ الربيع العربي- من دون بديل واضح، فإن هنالك خطراً يتمثل بقيام أنظمة أكثر قمعاً من سابقاتها في المنطقة). أي في منطقة الشرق الأوسط. إضافةً إلى ذلك، وفيما يشبه التأكيد، كتب القائمون على التقرير (إنه من المتعذّر أن نشهد نهاية لهذا الوضع -المقصود بين السابق والحراك الغامض القائم- ما لم تتبلور مقاربات سياسية كليّة شاملة تبدأ بمعالجة الأسباب الاقتصادية الاجتماعية والسياسية عميقة الجذور لأزمات الشرق الأوسط). وفي جانب من الرؤية الكلية، ثمة إشارة في ثنايا التقرير إلى واقع، وهو إنه (عندما توضع في الاعتبار ضخامة هذه التحديات، يميل السكان الذين استولى عليهم اليأس -في المنطقة- إلى الانسحاب من ميدان النشاط السياسي للتركيز على الأمن الشخصي). لكن ثمة عودة إلى الاعتراف بأن (هذه المخاطر حقيقية وتستحق كل الاهتمام، بيد أن المظالم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية -والأهم من ذلك كله المطالبة بالكرامة الإنسانية والعدالة- لازالت ماثلة للعيان). ما يفسر المطالب المتعاظمة لجماهير السكان المتزايدة. الأمر الذي رفع نسبة (انتشار العجز والقصور والقمع على نطاق واسع في المجالات الاقتصادية الاجتماعية. الأمر الذي أدى إلى تفكك الدولة على نحو غير مسبوق في العراق، وليبيا، وسوريا، واليمن). وبناء على رؤية التقرير، يفهم المرء أن وضعاً كهذا القائم في الشرق الأوسط، ووفقاً لما جرى تصويره، هو مرشح لأن يؤدي إلى مآس عديدة، من بينها النازحون طالبي اللجوء في دول العالم، هذه حقيقة، كما الإفساح في المجال أمام الاتجار بالبشر وممارسة العبودية. وقد تمت زيارة مركز برلين للاجئين قبل كتابة هذا التقرير. وأورد التقرير قصة بعض اللاجئين الحيارى في أمرهم (بين ماض مضى وانقضى، وحاضر غير مألوف، ومستقبل ملتبس). ما يعني أن النزوح القسري الذي يفرضه اندلاع الحروب الأهلية، بغية تفكيك الدولة، يؤدي إلى امتهان الإنسان المبعد عن أرضه وهويته وتاريخه، ويغذي هذه التجارة التي يريدها أصحابها أن تبقى وتزدهر. كان الله في عون البشر الأبرياء.