مر اجتماع الرئيس دونالد ترامب في واشنطن، مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، مثلما كان متوقعاً منه. فقد تمسك ترامب بموقفه إزاء المشرعين الأميركيين الذين كانوا يريدون منه اتخاذ إجراء أكثر صرامة ضد الرئيس التركي، الذي يُعد شخصية محل سخط وتدقيق في واشنطن، بسبب سلطويته في بلده، وهجماته الأخيرة في شمال سوريا على القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة. شبح مزيد من التدهور بين الحليفين المتنازعين تبدد الآن، لكن أياً من الرئيسين لم يشر إلى حل حقيقي لقائمة من الخلافات بين الجانبين.
لكن ما لفت الانتباه كان تصريحاً مرتجلاً لترامب أدلى به عندما كان جالساً إلى جانب أردوغان في المكتب البيضاوي. ففي تعليقات حول الوضع في شمال سوريا، أعاد ترامب التأكيد على موقفه من أن الجنود الأميركيين لا ينبغي أن يقوموا بدوريات في الحدود على بعد آلاف الكيلومترات من بلادهم، قائلاً: «نريد أن ننشغل بشؤوننا»، عائداً إلى موضوعه الأثير حول تخليص أميركا من الحروب الخارجية. لكنه عاد في الجملة التالية ليشرح سبب بقاء وجود عسكري صغير في سوريا، فقال بأسلوبه المعتاد: «إننا نحتفظ بالنفط. لدينا النفط. والنفط في أمان»، مضيفاً: «لقد تركنا جنوداً فقط من أجل النفط».
لكن تبرير ترامب لنشر جنود في سوريا، والذي شدد فيه على رغبته في «الاحتفاظ» بالنفط في الحقول الشرقية لسوريا، بدا مناقضاً لكلام رئيس البنتاغون. فقد قال وزير الدفاع مارك إيسبر للصحفيين في اليوم نفسه: «مهمتنا هي هزم تنظيم (داعش) بشكل دائم»، مضيفاً: «(ولهذا) نعتزم نشر نحو 500 إلى 600 جندي هناك، في نهاية المطاف». وأضاف إيسبر أن الفكرة من وراء نشر الجنود هي منع مقاتلي «داعش» من «الوصول لحقول النفط، لأنهم إن وصلوا إليها، سيستطيعون خلق عائدات. وإن استطاعوا خلق عائدات، سيستطيعون حينها دفع المال لمقاتلين، وشراء أسلحة، والقيام بعمليات». هذه هي الأسباب التي أشار إليها مسؤولو البنتاغون، لشرح اعتزام الولايات المتحدة الإبقاء على وجود عسكري ذي مصداقية في سوريا، يستطيع الحفاظ على المجال الجوي وتنفيذ عمليات محاربة الإرهاب. وتعليقاً على هذا الموضوع، قال مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن هويته لـ«واشنطن بوست»: «إن هذا يشبه إعطاء طفل صغير الدواء في الزبادي».
وخلافاً لتصريحات ترامب، يشدد البنتاغون على أن العائدات (الهزيلة نسبياً) من حقول النفط السورية لن تذهب إلى الولايات المتحدة أو أي كيان أميركي. وفي هذا الإطار، كتب ويليام سيلتان من مجلة «سلايت» الإلكترونية يقول: «هناك سببان شرعيان لحراسة منشآت النفط في شمال سوريا. الأول منع (داعش) من السيطرة عليها أو تدميرها. والثاني حماية قدرة حلفائنا الذين يشعرون بالخذلان (الأكراد السوريون) على استخدام النفط. وترامب أضاف سبباً ثالثاً هو: جني المال للولايات المتحدة».
لكن خبراء قانونيين يشيرون إلى أن الاستيلاء على النفط من دون موافقة الحكومات المحلية قد يشكل جريمة حرب. وفي هذا الصدد، كتب مدعي جرائم الحرب السابق جيمس ستيوارت في «واشنطن بوست» يقول: «إن تطبيق مثل هذه السياسة في حالة الولايات المتحدة، بشكل خاص، يمكن أن يجعل الجيش الأميركي يبدو مثل الأشخاص الذي يغتنون من الحروب في مناطق أجنبية».
لكن ذلك لم يثن ترامب عن إبداء رغبته في النفط، ففي مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» في 2011، قال ترامب في معرض حديثه عن تدخل حلف «الناتو» ضد نظام القذافي: «إنني مهتم بليبيا فقط إذا كنا سنأخذ النفط. أما إذا لم نأخذ النفط، فلست مهتماً». ومع أنه يصور نفسه كمناوئ للغزو الأميركي للعراق في 2003، فهو يشدد على أنه كان ينبغي على الولايات المتحدة إبقاء سيطرتها على احتياطيات النفط العراقية الضخمة.
قطب قطاع العقارات السابق، ربما ينظر إلى هذا الأمر كنوع من المقايضة. وقد ظهرت بعض المؤشرات على أسلوب التفكير هذا في أماكن أخرى: ففي مناقشات الإدارة حول الخروج من أفغانستان، تحمس الرئيس للإبقاء على جنود في الميدان بحديث عن الوصول إلى الثروة المعدنية الضخمة التي تزخر بها البلاد.
ولطالما قال المنتقدون من اليسار إن هذا هو الهدف الأسمى للسياسة الخارجية الأميركية.

*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»