اتفقت كل من دولة الإمارات ومصر على إطلاق منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار بنسبة 50% لكل منهما ممثلين في شركة أبوظبي القابضة وصندوق مصر السيادي للاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما فيها تلك المختصة بالتقنيات الحديثة والطاقة المتجددة، إضافة إلى قطاعات الخدمات وتأسيس صناديق تنموية واستثمارية متخصصة.
وتكمن أهمية هذه المنصة ليس في عدد المشاريع وأساليب الاستثمار التي ستتبعها في السنوات القادمة، وإنما باعتبارها أيضاً نقلة نوعية وتغيراً جوهريا في طبيعة التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدان العربية، وذلك باعتماد التعاون الثنائي بصورة أساسية بعد أن تعرقلت العديد من المشاريع الاقتصادية العربية الجماعية، حيث يتوقع أن يشكل هذا النهج الجديد تحولا ستترتب عليه نتائج اقتصادية مهمة للدول العربية ويؤدي إلى تنفيذ مشاريع استراتيجية ستساهم في رفع معدلات النمو وتوفير فرص العمل ورفع مستويات المعيشة، كما انه يأتي استكمالا للجان التنسيق الخليجية الثنائية المشتركة التي أقيمت في السنوات الثلاث الماضية والتي أثبتت فعاليتها، مقارنة بمثيلتها المقامة في النطاق الخليجي.
يأتي تأسيس هذه المنصة في وقت مناسب جداً للبلدين، فدولة الإمارات تتمتع بقدرات مالية كبيرة، كما أنها عمدت في الفترة الماضية إلى إقامة العديد من الشركات الاستثمارية متعددة المهام، في حين تحقق مصر تقدماً اقتصادياً مشهوداً، فمعدلات النمو تتجاوز 6%، وهو من أعلى معدلات النمو في العالم، كما أن الجنيه المصري يتحسن بصورة مضطردة تجاه الدولار الأميركي، في حين انخفضت معدلات التضخم لتصل إلى مستويات مناسبة مقبولة بشكل عام.
وفي الوقت نفسه شهد قطاع الطاقة تطوراً مذهلاً، إذ تحولت مصر في غضون سنتين من دولة مستوردة للغاز الطبيعي إلى دولة مصدرة له، مما ساهم في توفير سيولة كبيرة، ساهمت بدورها في خفض عجز الميزانية العامة وزيادة الاستثمارات، حيث يتوقع أن ترتفع موجودات صندوق مصر السيادي في السنوات القليلة القادمة إلى 60 مليار دولار، وهو ما سيؤدي إلى دعم المنصة الجديدة وغيرها من المشاريع والتوجهات التنموية.
ذلك يعني أن المشهد التعاوني الاقتصادي العربي سيتغير تماماً مع وجود هذه الأشكال المستحدثة من التعاون الثنائي، والتي تختلف عن أشكال التعاون العربية الجماعية، التي أبرمت في العقود الخمسة الماضية من خلال جامعة الدول العربية، أو من خلال المؤسسات العامة، والتي عانت وتعرقلت أنشطتها بسبب الخلافات المستعصية.
والحال، فإن هذا النهج الجديد في العلاقات الاقتصادية العربية ستبرز نتائجه الإيجابية بصورة سريعة على شكل مشاريع تنموية ومؤسسات استثمار وفرص عمل، كما بينت التجربة الخليجية التي طبقت مؤخراً. ومع ذلك، فإن هذا التوجه الثنائي الجديد لا يلغي التعاون العربي المشترك في نطاق المؤسسات القائمة، إلا أنه أكثر فعالية وقدرة على التنفيذ لسهولة الاتفاق والتنسيق وربط المصالح، خصوصاً وأنه قابل للتكرار بين العديد من الدول، وهو ما يتوقع أن نراه في الفترة القادمة ليشمل معظم أوجه التعاون الاقتصادي والمشاريع المشتركة بين البلدان العربية.
وفي جانب آخر مهم للغاية، فإن تعميق هذا التوجه سيمهد الأرضية اللازمة والظروف المناسبة لإعادة النظر في الاتفاقيات والمشاريع التنموية العربية المؤجلة والتي لم تر النور، بما فيها اتفاقية التجارة الحرة والسوق المشتركة، فتوثيق المصالح الثنائية سيؤدي في نهاية المطاف إلى إشراك أطراف أخرى أو دمج أوجه التعاون والتنسيق بين أكثر من طرفين.
إذن تقف الدول العربية ليس أمام توجه خاص بتوقيع اتفاقيات ثنائية فحسب، وإنما أمام تحول مهم في طبيعة وهيكلية التعاون العربي الاستراتيجي، والذي يتوقع أن يترتب عليه تحولات جذرية ستقدم دعماً قوياً للتوجهات التنموية، خصوصاً وأن احد أهم أركانها- كما تبين تفاصيل المنصة الإماراتية المصرية- يكمن في تنمية مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، وهي أحد أهم أساسيات التنمية المستدامة.
*مستشار وخبير اقتصادي