ليس غريباً على الإمارات أن تكون في قائمة الدول الأكثر كرماً في العالم بعد أن احتلت المرتبة التاسعة فيها، وهي التي اعتمدت منذ تأسيسها نهجاً متميزاً في البر والإحسان، وهو النهج الذي سار عليه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وكنت شاهداً على بعض تفاصيله.
ولأن غرس الخير لا يأتي إلا بالخير، فقد سمعت من عرب وأجانب عن أهمية الدور الإنساني الذي تؤديه الإمارات في هذا الجانب، والتي طالت بمشاريعها الخيرية دولاً وشعوباً عديدة، وأقامت مشاريع تنموية كثيرة ووفرت الاحتياجات الأساسية فيها، وساهمت في حماية البيئة، كما دعمت خطط وبرامج الطاقة النظيفة، وهو ما ساعد في رسم صورة مهمة عن الإمارات التي تعرف بإمارات الخير.
واليوم وعبر منتدى (بلوغ الميل الأخير) الذي يقام في الإمارات، يحتفل العالم بقرب إعلان خلوّه تماماً من مرض شلل الأطفال، مع تقدير وحفاوة دولية بالغة بجهود الإمارات في مكافحة هذا المرض في مناطق عديدة من العالم، حيث قدمت الإمارات نموذجاً إنسانياً رائعاً يحتذى به لاستئصال مرض سرق بسمات الأطفال على مدار سنين طويلة. ومع أن دولتنا ومنذ عام 1993 خالية من شلل الأطفال، إلا أنها لا تزال تواصل جهودها في مكافحة هذا المرض، إيماناً منها بأن الوقاية خير من العلاج، وذلك عبر تنظيم حملات التوعية، وغيرها من الفعاليات المرتبطة بهذا الجانب، ومن بينها الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة شلل الأطفال الذي تم اعتماده في الـ 24 من شهر أكتوبر.
ويعكس المنتدى الذي تستضيفه أبوظبي اليوم برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مدى التزام الإمارات بالنهج والمبادئ الإنسانية لمساعدة الشعوب المحتاجة، وتطوير برامج التنمية البشرية، والاهتمام بسلامة وصحة الإنسان، وبفئة الأطفال المحتاجين، وبالرعاية الصحية الوقائية. وقد شكلت مساهمات سموه العامل الأبرز في نجاح ودعم النشاطات الهادفة لاستئصال المرض ومكافحته على المستوى العالمي. وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يستفيد سنوياً قرابة 400 مليون طفل حول العالم من الحملات والمبادرات، والتي بفضلها باتت البشرية أقرب إلى حسم معركتها مع هذا المرض والقضاء عليه بشكل تام، وذلك وفق التقارير التي تشير إلى انخفاض حالات الإصابة بشلل الأطفال على مستوى العالم بمعدل 99%، أي من نحو 350 ألف حالة مسجلة عام 1988 إلى 33 حالة في عام 2018.
إن الموقف الإنساني النبيل دفع «بيل غيتس» الذي تشارك مؤسسته في المنتدى، إلى كتابة تغريدة على «تويتر» جاء فيها: «حقق العالم تقدماً مذهلاً نحو القضاء على شلل الأطفال بفضل شركاء مثل دولة الإمارات والشيخ محمد بن زايد الذي كان لدعمه اللامحدود النتائج العظيمة التي امتدت لمنح تطعيم الملايين من الأطفال في العالم»، وقد أعرب «غيتس» عن فخر مؤسسته الخيرية بالتعاون مع ولي عهد أبوظبي في عدد من المبادرات للقضاء على الأمراض حول العالم. فيما أكد «جاي فينجر»، مدير برنامج القضاء على مرض شلل الأطفال، أن الإمارات شريك تاريخي وممول للبرنامج، ولعبت دوراً محورياً في مكافحة المرض، خصوصاً في باكستان، كما أسهمت في إيصال اللقاحات إلى بعض أكثر المناطق صعوبة في البلاد. في حين ثمن الدكتور تيدروس أدهانوم جيبرييسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، جهود الإمارات ووصفها بالجبارة، مؤكداً أن «القضاء على شلل الأطفال لا يتحقق من دون شركاء مثل الإمارات التي كانت ولا تزال في طليعة الدول التي ساهمت بسخاء في استئصال المرض من العالم».
إن اهتمام الإمارات بالقضاء على الأمراض لم يغفل الاهتمام بالكادر البشري العامل في المجال الطبي والصحي، انطلاقاً من الدور المحوري لهذا الكادر في القضاء على الأمراض، ولهذا أطلقت في عام 2017 وبرعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، جائزة «ريتش للصحة العالمية» عرفاناً من الإمارات بدور العاملين من أطباء وطاقم تمريض وفنيين، وهم الذين يبدون من خلال عملهم شجاعة هائلة والتزاماً منقطع النظير في مجال القضاء على الأمراض. وعلى هامش المنتدى، سوف يتم تكريم الفائزين بالجائزة، ومن بين 15 فائزاً بفروع الجائزة، تفوز السيدة «رهان لوال» التي رشحتها «اليونيسيف» لنيل الجائزة، وذلك تقديراً لها على شجاعتها على الخطوط الأمامية ضمن جهود استئصال شلل الأطفال في نيجيريا، حيث رأست رهان الجهود المبذولة لاستئصال هذا المرض من مجتمعها، وعلى الرغم من تعرضها للاختطاف مدة 11 يوماً، وتعرض حياتها للخطر، ومقتل العديد من أفراد أسرتها، إلا أنها أصرت على مواصلة أداء رسالتها بكل تفانٍ وإخلاص، ليأتي العالم كله اليوم، ومن خلال الإمارات، ليثني على صنيعها، ويؤكد تقديره العميق لها.
وهكذا، ومن دون منة تتواصل هدايا الإمارات إلى العالم في مختلف مجالات الحياة، إلى درجة أنه لم يعد هناك ميدان إلا وامتدت إليه يد البر والإحسان، ليكون لها السبق فيما ينفع الناس. وهذه بالتأكيد مسألة نكبر بها نحن الإماراتيين، ونتشرف بأن تكون دولتنا شريكة في العمل الخيري الذي لا يفرّق بين الناس.