لقد اهتم علماء المسلمين بتدوين مكتشفاتهم العلمية لكونها السبيل لحفظ ما أنتجوه. واتخذوا الأمانة العلمية منهجاً في تدوين أبحاثهم وأنزلوا علماء الإغريق منازلهم وذكروا فضلهم أمثال أرسطو وأفلاطون وجالينوس...الخ فقام علماء المسلمين بتصحيح أو إضافة أو التعليق على أعمال من سبقوهم. وهذا الإنتاج الفكري لمؤلفات علماء المسلمين حُرق أو نُهب أثناء الحروب، أو تم شراؤه. وجل ما تبقى من مؤلفاتهم نقل إلى المكتبات الأوروبية. أهم الدول التي تحتفظ بنسخ من مؤلفات العلماء المسلمين إسبانيا وفرنسا وبريطانيا. إسبانيا لديها العديد من المخطوطات العربية محفوظة في مكتبة «دير الإسكوريال» بمدريد، وأهم ما تقتنيه «مختصر ابن سينا في استعمال الترياق» ومخطوطة «الموسيقى الكبير» للفاربي. تمكنت بريطانيا من امتلاك الآلاف من المخطوطات العربية بحكم استعمارها للدولة العربية، ومن بينها مخطوطة أبو يوسف يعقوب الكندي الموسيقية «رسالة في خبر صناعة التأليف». أما فرنسا، فقد قامت بالاستيلاء على عدد كبير من المخطوطات، وتم إيداعها في المكتبة الوطنية بباريس، وصل عددها إلى 7376 مخطوطة. وأهمها نسخة محفوظة لديها ترجمة حنين بن إسحاق لكتاب «العلل والأمراض» لجالينوس. أما ألمانيا، فقد اعتمدت على شراء ونقل عشرة آلاف مخطوطة عربية أثناء الحرب العالمية الثانية، وأهمها «القانون» لابن سينا، و«شرح تشريح القانون» لابن النفيس. وتملك الولايات المتحدة مخطوطة «ألف ليلة وليلة» التي تعود إلى القرن الثالث للهجرة.
أثبت المستشرقون أن الكثير من الأوروبيين لم يحترموا الملكية الفكرية لمؤلفات علماء المسلمين، وانتحلوا أفكارهم، والتي تندرج تحت ما يسمى بـ «السرقة العلمية»، وعلى سبيل المثال لا الحصر نسب ابتكار دواء لمعالجة الجروح ما يعرف باسم المضادات الحيوية Antibiotic إلى كل من الطبيب «لويس باستور» و«جوليس جوبرت»، بينما يؤكد المستشرق «جاك ريسلر» أن ابتكاره يعود في الأصل إلى أبو بكر الرازي الذي شرحه في كتابه «الحاوي» و«سر الأسرار». تؤكد كذلك المستشرقة الألمانية «زيغريد هونه» صاحبة كتاب «شمس العرب تسطع على الغرب» أن أول من تخصص بجراحة الأعضاء التناسلية هو أبو قاسم الزهراوي الذي يعد مؤسس علم الجراحة وابتكار العمليات التجميلية لإخفاء الجروح وليس الألماني فريدريك ترندلبوغ كما يدعي الغرب.
أثبت المستشرق الألماني «ماير هوف» السرقة الفكرية التي قام بها الإسباني ميخائيل سرفيتوس -والذي نسب إلى نفسه اكتشاف الدورة الدموية الصغرى- من كتاب «شرح تشريح القانون» للعلامة ابن النفيس. وصنف الغرب بأن الطبيب البلجيكي «أندرياس فيزاليوس» هو أول من شرّح أعضاء جسم الإنسان إلا أن المستشرقين أكدوا أن أول من شرّح أعضاء جسم الإنسان (العين، الحلق، القلب...الخ) هو ابن سينا.
ونسب اختراع آلة الكاميرا إلى «دلابورتا»، إذ تعد أحد اختراعات الحسن ابن الهيثم والمسمى بـ «الخزانة المظلمة ذات الثقب» أو«بالبيت المظلم». كما نسبت نظرية قوس قزح إلى «رينيه ديكارت»! وأكدا المستشرقان «سارتون» و«فيدمان» بأن نظرية «قوس قزح» وشروحاتها وآلة الكاميرا يعود اكتشافهما في الأصل إلى ابن الهيثم وابن سينا. ومن ضمن الأخطاء التي وقع فيها العرب نقلاً عن الغرب في مناهجهم الفيزياء إرجاع قوانين الحركة والضوء إلى إسحاق نيوتن إلا أنها تعود في الأصل إلى ابن الهيثم.
وأن مؤسس النظرية الذرية هو عالم الكيمياء جابر ابن حيان الذي قام بتجارب مختبرية، وأثبت فيها بأن جمع العناصر تسمى ذرات، وحينما تتحد تشكل مركبات إلا أنها نسبت إلى الإنجليزي «جون دالتون». ويؤكد المستشرق «ديفيد كنج» أن البولوني كوبرنيكوس انتحل السبق في نظرية حركة الكواكب أو ما يعرف اليوم باسم النظام الشمسي، والتي هي في الأصل تعود للفلكي «ابن الشاطر». ويمكن القول بأن المستشرقين استطاعوا أن يثبتوا الملكية الفكرية لعلماء المسلمين. وما قام به بعض العلماء الأوروبيين يعد عملاً غير أخلاقي ومخالفاً للقوانين وجريمة جنائية يجب أن يعاقب عليها المنتحل.
*أستاذ مساعد بأكاديمية الإمارات الدبلوماسية.