من الحقائق المتفق عليها اثنان: الصواريخ بأنواعها لا تصلح للطعام الآدمي، والديموغرافيا السكانية هي التي تصنع التاريخ، لذلك، فإن على عالم اليوم أن يدافع عن أمرين ما استطاع إليهما سبيلاً: الأول، أن يوقف وإلى الأبد وبأي شكل، صناعة الصواريخ القصيرة المدى والبعيدة، إضافة إلى تكثيف مساعيه لتدمير الأسلحة النووية والعمل، أقله، على إخلاء الجغرافيا البشرية من أدوات الفتك. والثاني، التوقّف وبسرعة، في السر والعلن، عن محاربة الأمم والشعوب التي ترتفع لديها الخصوبة وتزداد فيها نسبة المواليد، مهما كانت الحجج وبالخصوص: حجة شح الموارد الطبيعية والخوف من الفقر. فهذا التهويل السافر لا أساس له، فبحسب آخر الإحصاءات الموثقة لـ (مؤسسة سكان العالم الألمانية)، فإن الموارد الطبيعية تكفي لما يزيد على 8 مليارات إنسان، في الوقت الذي فيه عدد سكان العالم الحالي ما زال دون هذا الرقم بكثير، ففي نهاية عام 2019 وبداية عام 2020 سيكون تعداد سكان الأرض حوالي7 مليارات نسمة، هذا في حال توقفت الحروب (القارضة) للبشر والحجر، وتلك لعمري قضية معقدة.
غريب أمر من يصرّ على امتلاك أسلحة نووية في هذا العصر، وهو الأمر الذي لا يوفر قوتاً ضرورياً للشعوب، بل إن من يمتلك هذه الأسلحة الفتاكة لا يضمن بقاءه بل ربما يشهد انهياره في أية لحظة تراجيدية. وللأمم في ما حدث للاتحاد السوفييتي السابق، خير مثال لمن كان له قلب وعقل استراتيجي، فالاتحاد السوفييتي السابق قبل انهياره (أو فلنقل قبل تفكيكه القانوني) ديسمبر عام 1991، كان يمتلك 4200 رأس نوويٍّ، بينما أميركا، قطبهُ المنافس، كانت تمتلك 2000 رأس نووي فقط. نفهم من هذا أن تكون الدولة نووية، فهذا لا يعني بالضرورة أنها تمتلك اقتصاداً قوياً مزدهراً ومستمر النمو. في الاتحاد السوفييتي السابق، كان دخل الفرد لا يتعدّى الـ4000 دولار سنوياً، بينما كان دخل الفرد في أميركا 48000 دولار.
القوة العسكرية وحدها لا تفيد الدول، إذا لم تتوافر هذه الدول على اقتصاد قوي يتضافر مع قوتها العسكرية. فالاقتصاد الضعيف قد يسقط الدولة، وإنْ كانت قوية عسكرياً، حتى وإنْ كانت نووية، الناس تحتاج إلى الخبز، كحد أدنى من الكرامة لتعيش وتستمر في حياتها. الخبز هو الأول وقوة الدولة مهما كانت، هي في المرتبة الثانية. غريب أيضاً أن بعض الشعوب لا تريد زيادة نسبة المواليد لديها، وتلجأ للحد منها إلى تنظم النسل، بينما الحقيقة التاريخية تقول إن ارتفاع عدد السكان هو الذي يصنع التاريخ في نهاية المطاف، أقله عبر ملء الجغرافيا التي تتوافر عليها هذه الدولة أو تلك. ربما - وهذا مجرد تنبؤ يحتاج إلى توثيق - أن المنطقة الممتدة من المغرب العربي إلى إندونيسيا في الشرق التي سمّاها هنري كيسنجر (القارة الوسط) في تقريره (الآثار المترتبة على النمو السكاني تجاه المصالح الأمنية الأميركية)، ومن يسيطر على هذه المنطقة، فهو سيسيطر على العالم. كلمات تستوجب التوقف عندها، لكن ترى ما السبب؟ ربما أن هذه الجغرافيا المحددة والمعينة، تمتلك ثلثي الطاقة في العالم (ما يساوي 65%). وتتوافر على (58%) من ثروات العالم الأخرى المختلفة. فكما يبدو، والمسألة تحتاج إلى بحث أعمق، أن أضلاع المثلث الذهبي باتت قائمة ومتمثلة: أولاً في العنصر البشري المتزايد، وثانياً في الثروات الهائلة من ضمنها الطاقة، وثالثاً في وجود الحيوية المجتمعية التي يسمّونها (الديناميكية). وعليه هل يمكن القول إن اللحظة التاريخية لـ (قارة الوسط) ونحن من ضمنها، قد اقتربت ساعتها في القرن الحالي؟