عندما وعد دونالد ترامب بـ«جعل أميركا عظيمة من جديد»، كان شعاره يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. فبالنسبة لكثير من أنصاره، كان ذلك يعني استعادة الهيمنة السياسية والاجتماعية للأشخاص البيض، وخاصة الرجال البيض. غير أنه بالنسبة لآخرين، كان يعني استعادة نوع الاقتصاد الذي كان لدى الأميركيين قبل جيل أو جيلين، والذي كان يقدم الكثير من الوظائف التي تحتاج مجهوداً عضليا للرجال كالمزارعين، وعمال المناجم، وعمال المصانع. وبالتالي، فإن إخفاق ترامب كلياً في الوفاء بوعده على هذا الصعيد – وحقيقة أن العمال يلاحظون ذلك – قد يكون مهماً جداً من الناحية السياسية.
والحق أن الكثير من وعود ترامب الاقتصادية كانت وعوداً فارغة بشكل واضح. فضعف قطاع الفحم، مثلاً، عكس تكنولوجيات جديدة، مثل إزالة قمم الجبال، التي تتطلب عدداً أقل من العمال، إضافة إلى المنافسة من مصادر أخرى للطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي، ولكن أيضاً وعلى نحو متزايد طاقة الرياح والطاقة الشمسية. والأكيد أن وظائف الفحم لن تعود، مهما «لوّث» ترامب الهواء.
ومن جهة أخرى، كان على المزارعين، الذي يصدّرون جزءا كبيراً من المنتجات التي يربونها ويزرعونها، أن يدركوا أن حمائية ترامب التجارية والرد الحتمي عليها من بلدان أخرى سيكون لهما تأثير مدمر على مداخيلهم. والمثير للسخرية نوعا ما هو أن سياسة ترامب الاقتصادية حوّلت الأميركيين الريفيين، الذين يُعتبرون أكثر محافظة من بقية الأميركيين عموما، إلى عالة على الدولة: فهذا العام، من المتوقع أن تأتي قرابة 40 في المئة من مداخيل المزارع من مساعدات التجارة، ومساعدات الكوارث، وتعويضات التأمين.
غير أن وعد ترامب بإعادة التصنيع لم يكن على ما يبدو عبثياً بالكامل. ذلك أن أميركا تسجّل عجزاً تجارياً كبيراً في السلع المصنَّعة، وارتفاع الواردات كان يلعب بالفعل دوراً مهماً في رحيل الوظائف الصناعية بعد سنة 2000. وبالتالي، فإنه لم يكن من الجنون تخيل أن تعيد الحمائية التجارية بعضا من تلك الوظائف، حتى وإنْ جعلت أميركا أكثر فقراً عموماً.
ولكن، لماذا فشل ترامب في جعل التصنيع عظيماً من جديد؟ في رأيي، هناك جملة من الأسباب لذلك. أولاً، إذا كان تبني ترامب الحماسي للحمائية – أتذكرون قوله: «إن الحروب التجارية جيدة ومن السهل الفوز فيها»؟ -- يمثّل قطيعة مع أجيال من السياسة الأميركية، فإن أجندته الاقتصادية الداخلية كانت خلطة سحرية «جمهورية» تقليدية خالصة. أي أنها كانت كلها مبنية على الاعتقاد بأن خفض الضرائب على الأغنياء والشركات سيكون له تأثير سحري على الاقتصاد.
ولكن السحر أخفق، مثلما يحدث دائما. فقد وعدت إدارة ترامب مرارا بأن من شأن خفض الضرائب في 2017 أن يُنتج طفرة كبيرة، مع معدل نمو على المدى الطويل يتجاوز 3 في المئة، ولكن لا شيء من ذلك يحدث حاليا.
ففي ما يتعلق بالنمو، فإن محركه هو إنفاق المستهلك. أما استثمارات الشركات، التي كان من المفترض أن يدعمها خفض الضرائب – والتي تُعد مصدر طلب رئيسيا بالنسبة للمصنِّعين الأميركيين – فإنها آخذة في الانخفاض في الواقع.
فما الذي يحول دون زيادة الاستثمار؟ الواقع أن محلِّلين كثيرين يحمّلون حرب ترامب التجارية المسؤولية. ذلك أن رسومه الجمركية مسؤولة بشكل مباشر عن اضطراب وعرقلة سلاسل التوريد العالمية التي أصبح يعتمد عليها المنتجون الأميركيون. غير أن الأهم من ذلك ربما هو حالة عدم اليقين التي خلقتها أعمال ترامب، التي تمنح كلا من الشركات التي تعتمد على الواردات والشركات التي تتنافس مع الواردات حافزا قويا لتعليق أي خطط توسع قد تكون لديها.
وفضلا عن ذلك، فإن تعرفات ترامب الجمركية على الصين لم تكن مفيدة للمنتجين الأميركيين في كثير من الحالات، ولم تؤدي إلا إلى تحويل مصدر الواردات إلى بلدان أخرى مثل فيتنام.
ولكن، هل كان يمكن أن يكون ترامب أكثر نجاحاً في دعم قطاع التصنيع؟ الواقع أن الأمور كان يمكن أن تبدو مختلفة جداً لو أنه وفى بوعوده الانتخابية لجهة القيام باستثمارات كبيرة في البنى التحتية، وهو ما كان سيخلق الكثير من المبيعات بالنسبة للتصنيع الأميركي.
غير أن ترامب يشرف حالياً على اقتصاد لا يبدو لمعظم الأميركيين شبيها بالطفرة، رغم انخفاض البطالة، وفشل فشلا كليا في وعده المهم سياسياً بجعل التصنيع في الولايات المتأرجحة المهمة عظيماً من جديد.
*أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/10/31/opinion/manufacturing-trump.html