بعد عقود من تقدم بطيء لكنه متواصل، اشتد السباق على طاقة الاندماج. فالحكومات والمؤسسات العلمية وشركات القطاع الخاص تضخ مليارات الدولارات في هذه التكنولوجيا التي يمكنها تغيير العالم. والاندماج عملية تحدث في النجوم، مثل الشمس، حين تندمج ذرات الهيدروجين وتنتج الهيليوم وكميات مذهلة من الطاقة. ولقد راود احتمال الحصول على طاقة الاندماج أحلام الباحثين لأنها ستوفر مصدراً آمناً ونظيفاً وغير محدود للطاقة.
وتوفير طاقة الاندماج سيمثل انفراجة في المعركة ضد تغير المناخ. لكن التحديات التقنية كانت هائلة وتمثلت أساساً في تصميم محاكاة لنجم اصطناعي مصغر. واتبع العلماء مناهج مختلفة لتوليد الطاقة الناجمة عن اندماج الذرات، لكن ما أُنفق من طاقة في تلك التجارب أكثر مما ولدته من طاقة. ونقطة التحول ستتحقق عندما يتم إنتاج طاقة أكثر مما اُستخدم لإنتاجها.
وبدأت العراقيل تتساقط في السنوات القليلة الماضية بفضل استخدام أجهزة الكمبيوتر المتقدمة لتصميم أنظمة الاندماج وتحسين الاستفادة منها، وبفضل جيل جديد من الموصلات المتقدمة المعززة للمجالات المغناطيسية. وتطورت أيضاً تقنيات تصنيع مواد الاندماج المتخصصة.
وسارعت حكومات ومؤسسات علمية كثيرة إلى حلبة السباق العلمي بعد أن أدركت أن الاندماج قد ينتقل من النظرية إلى التطبيق العملي. والشهر الماضي، شهدنا أحدث التطورات في هذا السباق مع إعلان وزارة الطاقة الأميركية السماح ببرنامج تجريبي لتشجيع شركات الصناعة الخاصة على استخدام موارد المختبرات الوطنية الأميركية بهدف جعل طاقة الاندماج ذات طابع تجاري. واستثمرت الصين ما يقرب من مليار دولار في برنامجها لطاقة الاندماج. وفي سبتمبر، تعهدت بريطانيا بإنقاق 246 مليون دولار لتطوير محطة طاقة اندماج مجدية تجارياً بحلول 2040.
لكن أكبر الجهود في مجال طاقة الاندماج في العالم تشمل تعاوناً بين الصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة. وساهمت هذه الكيانات بعشرات المليارات من الدولارات في تجربة اندماج عملاقة في جنوب فرنسا يطلق عليها «أي. تي. إي. آر. ITER». وبدأ الإنشاء في موقع مساحته 103 إكرات عام 2010. والآن، وبعد تأخير، من المتوقع أن يتم تشغيل الجهاز عام 2025، ومن المزمع في عام 2035 أن يجري إنتاج أول طاقة من البلازما الصافية التي تمثل الحالة الرابعة شديدة السخونة للمادة.
وفي الوقت نفسه، حفزت التطورات التكنولوجية في السنوات الماضية اهتمام المستثمرين بشأن احتمال ظهور طاقة اندماج تجارية أصغر وأسرع وأجدى اقتصادياً. ويشير «اتحاد صناعة الاندماج»- وهو ائتلاف دولي من الشركات العاملة على استخدام طاقة الاندماج كمصدر للكهرباء- إلى أن الاستثمار الخاص في مشروعات الاندماج بلغ بين مليار و1.5 مليار دولار، ما يعكس شهية متنامية لمصدر طاقة قد يغير العالم.
وتتبنى الولايات المتحدة نظرة عالمية تفضل المشاركة المبكرة للصناعة في تطوير التكنولوجيا. وهذه الرؤية تتجلى في دراسة لـ«الأكاديميات الوطنية» نُشرت العام الماضي أوصت بالاستفادة من المعرفة المكتسبة من التحضير لمشروع «ITER» لتطوير محطة تجريبية مدمجة تضع الأساس لأول أنظمة طاقة اندماج تجارية.
ودشنت جماعة المهتمين بطاقة الاندماج في الولايات المتحدة مبادرة لتحسين التنسيق بين الحكومة والأوساط الأكاديمية وشركات الصناعة الخاصة، للعمل على أهداف مشتركة في مجال طاقة الاندماج.
وهناك حكومات أخرى تستثمر المليارات في طاقة الاندماج. وتتطلع شركات خاصة كثيرة إلى اتخاذ قرارات بشأن دعم إنشاء آلات وأنظمة أولية لتوليد طاقة الاندماج.
دينيس وايت
أستاذ الهندسة ومدير مركز علوم البلازما وطاقة الاندماج بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»