ينتشر التباطؤ المفاجئ في الاقتصاد الهندي من شركات صناعة السيارات إلى صناعة الذهب، وضعاً صناع السياسة أمام تطور جديد، فيما تتراجع فرص التحفيز كما يعتقد البعض. والأزمة التي بدأت في قطاع صيرفة الظل (نظام الظل المصرفي)، وألحقت الضرر بتجار التجزئة وشركات السيارات، ربما بدأت الآن تصيب كل شيء تقريباً، من الديزل إلى مبيعات المنازل. وقد سجل عجز الشركات عن الوفاء بالتزاماتها لحاملي السندات مستوى جديداً، بينما تراجع إنتاج الفحم والأسمنت وبعض الصناعات الثقيلة في البلاد، إلى جانب تقلص التصنيع وتراجع التجارة.
وعلاوة على كل ذلك، فقد يؤدي الهواء السام في نيودلهي إلى نفور قطاع من السياح، وتعطيل بعض الرحلات الجوية وإغلاق عدد من المدارس. وتوِّج كل ذلك بأكبر اختبار للحكومة منذ إعادة انتخاب رئيس الوزراء نارندرا مودي بأغلبية ساحقة في شهر مايو الماضي، مع عدم القدرة على اكتساب مزيد من الثقة في الجهود العامة.
«إن التباطؤ الحالي واسع للغاية وعميق نسبياً، وهناك تأثير آخذ في الهبوط يحتاج لما هو أكثر من الخطاب السياسي لتغيير المسار. يجب أن يحدث شيء يعيد الثقة»، كما يقول «سيث فريمان»، العضو المنتدب في مجموعة «جلاس راتنير الاستشارية& كابيتال جروب» في سان فرانسيسكو، والمتخصص في استراتيجيات الأسواق الناشئة ومن بينها الهند.
وقد اتخذت الحكومة الهندية خطوات عديدة لتعزيز اقتصاد البلاد، أبرزها خفض ضرائب على الشركات بقيمة 20 مليار دولار، وإنشاء صندوق بقيمة 3.5 مليار دولار، تم الكشف عنه الأسبوع الماضي، لإحياء مشاريع الإسكان المتعثرة.. مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في سوق الأسهم الهندية. ومع ذلك، ركزت الإجراءات المالية حتى الآن على تعزيز الاستثمار بدلاً من الإنفاق المحلي، بينما لم تتوقف السلطات عن عمليات الإنقاذ والدعم المباشر للمستهلكين، في ظل اتساع فجوة الإيرادات في الموازنة.
وكان بنك الاحتياطي الهندي قد خفّض بالفعل أسعار الفائدة خمس مرات هذا العام، بمقدار 135 نقطة أساس تراكمية، على الرغم من أن البنوك لا تمرر عمليات التسهيل للعملاء. وقد يتم إغلاق الباب أمام المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة، بينما يبدأ التضخم في الارتفاع.
لم يمض وقت طويل منذ أن كانت الهند الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم، حيث حققت نمواً بأكثر من 8% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي. وهي الآن تسجل نمواً بنسبة 5%، وهو أخفض معدل تحققه خلال السنوات الست المنصرمة. قد يبدو هذا أمراً معقولاً وسط حالة تراجع الزخم على مستوى الاقتصاد العالمي بشكل سريع، لكن بالنسبة لدولة يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، وحيث توجد معدلات فقر مرتفعة، يعتبر النمو بنسبة 5% مؤشراً مقلقاً لبعض الفاعلين الاقتصاديين.
يقول «دارين آو»، الخبير الاقتصادي المتخصص في شؤون آسيا لدى شركة استشارات الأبحاث الاقتصادية «كابيتال إكونوميكس» في سنغافورة: «لقد كان أداء الاقتصاد أقل مما توقعه الكثيرون هذا العام».
ومع تأخر تقديرات تحصيل الضرائب، يتوقع بعض الاقتصاديين وجود صعوبات أمام خفض عجز الموازنة البالغ 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. ولسد الفجوة في الإيرادات، يقوم وزير المالية «نيرمالا سيترامان» باستخراج مزيد من الأرباح من البنك المركزي والشركات المملوكة للدولة، وبيع بعض الأصول الحكومية.. كحل لدفع الاقتصاد نحو استعادة نموه السابق.
وكان حزب «بهاراتيا جاناتا» قد خسر بعض زخمه السابق في جولتين حاسمتين من انتخابات الشهر الماضي، لاسيما في المناطق الزراعية التي أصابها الجفاف. وهو يواجه ثلاثة انتخابات إقليمية من الآن وحتى نهاية عام 2020. لذلك قررت حكومة مودي، في اللحظة الأخيرة، عدم الانضمام إلى أكبر اتفاق تجاري إقليمي في العالم. وقد يساعد هذا على تعزيز شعبيته بين سكان الريف الذين يشكلون كتلة تصويتية رئيسية، لكنه يهدر فرصة لدمج التصنيع الهندي في سلاسل التوريد العالمية وتعزيز التجارة.
وسواء بالنسبة لبنك الاحتياطي الهندي أو بالنسبة لصندوق النقد الدولي، فقد تراجعت توقعات النمو لهذا العام، فبنك الاحتياطي المركزي يتوقع نمواً بنسبة 6.1% خلال العام حتى مارس 2020، مقابل 6.9% سابقاً، بينما خفض البنك الدولي توقعاته من 7.5% إلى 6%.
ومن المحتمل أن تظهر بيانات الناتج المحلي الإجمالي المقرر إعلانها في 29 نوفمبر انتعاشاً طفيفاً في النمو، ليبلغ 5.5% في الربع المنتهي في سبتمبر الماضي، على الرغم من أن الاقتصاديين يقولون إن السبب الرئيسي لذلك قد يكون إحصائياً.

*صحفية متخصصة في الشؤون الهندية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»