خيراً فعلت إذاعة الشارقة عندما خصصت في دورتها البرامجية الحالية عدداً من البرامج حول اللغة العربية، وأهمها «أدب وإبداع» الذي يقدمه الدكتور محمد صافي مستغانمي، أمين عام مجمع اللغة العربية في الشارقة، وهي بذلك تثبت أن لغتنا العربية قادرة على التطور واستيعاب كل العلوم العلمية.
وفي التأكيد على قدرات اللغة العربية على استيعاب المستجدات، نذكر التجربة السورية في هذا المجال، والتي أثبتت نجاحها عندما جعلت أساتذة الجامعات السورية يقومون بتعريب أغلب العلوم الطبيعية والهندسية والعلمية، وبترجمة أغلب المصطلحات الأجنبية العلمية. وقد استفادوا في ذلك من المعاجم القديمة ومن المصطلحات التي وضعها أساتذة العربية في «القصر العيني» بالقاهرة منذ أيام محمد علي باشا الذي عَرّب التعليم في أيامه، ومن الكتب التي ألّفت في أواخر القرن التاسع عشر على أيدي عدد من الأساتذة الأجانب في الكلية الإنجيلية السورية ببيروت، حيث كانوا يدرِّسون الطب باللغة العربية، وأيضاً من جهود مجامع اللغة العربية التي رفدت التجربة السورية وأفادت منها في الوقت ذاته.
وقد مضى على هذه التجربة قرابة قرن من الزمان، كما يقول الدكتور محمود أحمد السيد في دراسته «التجربة السورية في التعليم باللغة الأم»، والمنشورة ضمن كتاب «اللغة العربية والتعليم رؤية مستقبلية للتطوير»، الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. وكما يقول الدكتور السيد فقد تفوق خريجو النظام التعليمي السوري على الذين درسوا باللغة الأجنبية، وتقلّدوا أرفع المناصب العلمية والأكاديمية في المشافي الأميركية والأوروبية، ولم تقف اللغة العربية عائقاً في مسيرتهم العلمية، بل أنتجت سوريا كماً هائلاً من الكتب العلمية في مختلف المجالات، وكماً هائلا من الموسوعات والمعاجم التي تختص بتعريب المصطلحات الأجنبية. وبفضل جهود رجالات التعريب وجهود مجامع اللغة العربية، عاد التأليف العلمي باللغة العربية بعد أن افتقدته خلال عصور الانحدار والضعف، وأصبحت الأعمال العلمية العربية تعبّر عن عمق المعاني ووضوح الأفكار وسلامة اللغة والأدوات.. من خلال كتب علمية جيدة كثيرة. وبذلك أثبت رجالات التعريب قدرة اللغة العربية على استيعاب جميع المجالات العلمية.
لكن المشكلة، كما ينقل الباحث في دراسته عن أحد المختصين، هي «أن مأساة اللغة العربية تبرز إذا ما رأينا أن العلوم التي تقوم عليها الحضارة الحديثة، كالهندسة والطب والصيدلة والطبيعة والرياضيات.. كلها تدرس بالإنجليزية في جامعاتنا، لا لأن اللغة العربية عاجزة عن فعل ذلك، بل لأن هيئات التدريس هي العاجزة عن استعمال العربية أداةً لنقل المعارف الحديثة». ويضيف ذلك المختص: «أقولها بصراحة؛ إن اللغة العربية غير عاجزة وإنما العجز في بعض أبنائها»، قبل أن يعطي مثالا على هذه الحالة عندما يقول: «لقد حضرتُ مناقشةً لرسالة في عالم الطفيليات لنيل درجة الدكتوراه، وكان أنموذجاً لمأساة التمزق التي نعيشها في العالم العربي، الرسالة محررة بالإنجليزية وقدمت الباحثة ملخصاً عنها بالإنجليزية، وبدأت المناقشة فتحدث المشرف بالعربية، وناقش أحد الأعضاء الطالبةَ بالإنجليزية، وناقشها عضو آخر بالعربية، وكانت الطالبة ترد وتناقش بالإنجليزية والعربية في لغة مختلطة. ولو أن هذا الموضوع كان مطروحاً في جامعة دمشق لكُتب بالعربية ولنوقش بالعربية دون أدنى صعوبة في الأداء والمصطلحات».
وكما يوضح المؤلف، فقد أثبتت البحوث والدراسات أن الطالب الذي يتعلم بلغته الأم يستوعب المعلومات والحقائق بصورة أفضل مما لو تعلمها بلغة أخرى.

*كاتب إماراتي