تواجه صناعة النفط مستقبلاً غير أكيد. ذلك أن العالم أخذ يتنبه إلى خطورة التهديد الذي يطرحه تغير المناخ وطابعه الملح. وفي الوقت نفسه، أخذت أسعار السيارات الكهربائية تصبح رخيصة بما يكفي لتنافس محركات الاحتراق الداخلي. وفي هذا السياق، تتوقع مؤسسة الأبحاث «مالية الطاقة النظيفة» التابعة لشركة «بلومبرج» أن تبدأ السيارات الكهربائية في الهيمنة على السوق في غضون نحو عقد من الزمن.
وفي غضون ذلك، أخذت التخوفات بشأن تلوث المياه الجوفية تفضي إلى تزايد الدعوات إلى حظر عمليات «التكسير الهيدروليكي»، التي تُعد المصدر الرئيسي لزيادة الإنتاج الأميركي خلال العقد الماضي.
هذا لا يعني أن الصناعة النفطية ستموت. فالمواد البلاستيكية، التي يشتق معظمها من النفط، ستظل مهمة بالنسبة لتشكيلة كبيرة واسعة من الاستخدامات الاستهلاكية والصناعية. كما أن الطائرات والسفن ستحتاج لفترة أطول من أجل الانتقال من الوقود النفطي. ولكنه يعني أن الاستهلاك سيتقلص. فإذا كان الناس، قبل عقد من الزمن، يتحدثون بخوف عن نفاد إمدادات النفط، فإن بعضهم اليوم بات يتوقع ارتفاع الطلب على المادة السوداء في ظرف بضع سنوات فقط.
تقلص الطلب على الخام سيؤدي إلى انخفاض أسعاره، ما سيؤثر سلباً على أرباح مستخرجي النفط والمصافي. ومما يذكر هنا أن أسعار أسهم شركات النفط الكبرى عرفت انخفاضاً في السنوات الأخيرة.
ولكن الألم الذي سيشعر به هؤلاء العمالقة، والمنتجون الأصغر حجماً، لن يكون سوى البداية. فتلك الشركات توجد في وسط شبكة واسعة من الموردين وشركات الخدمات النفطية، التي ستشعر جميعها بوخز تقلص الطلب. كما ستعاني اقتصادات المناطق التي تعتمد بشكل كبير على الصناعات المرتبطة بالنفط.
من أكبر وأغنى هذه المناطق ولاية تكساس، التي ما زالت تنتج أكثر من ثلث النفط الأميركي والتي استفادت كثيراً من طفرة التكسير الصخري. هوستن عاصمة الولاية أصبحت مدينة جاذبة تستقطب الأشخاص الموهوبين من كل أنحاء العالم، من أجل العمل على التكنولوجيات المتقدمة التي تدعم الصناعة النقطية. ورغم أن الولاية عملت على تنويع اقتصادها كثيراً منذ الثمانينيات، فإن بعض التقديرات تشير إلى أن وظيفة من أصل كل ثماني وظائف في تكساس مدعومة بالنفط. والواقع أن انكماشاً بنيوياً كبيراً في الصناعة النفطية لن يدمر اقتصاد تكساس، ولكنه سيمثّل عائقاً قوياً على مدى عقود. والحقيقة أن بعض الوظائف أخذت تُفقد منذ الآن مع تراجع القطاع، بسبب انخفاض الأسعار.
وفي غضون ذلك، توجد ولايتا أوكلاهوما ولويزيانا المجاورتان في وضع هش أيضاً، شأنهما في ذلك شأن كثير من الولايات ذات الكثافة السكانية الصغيرة مثل داكوتا الشمالية ووايومينغ.
ولهذا، ينبغي على العاملين في قطاع الطاقة أن يستعدوا لهذا التحول. بالنسبة لـ«عمال المعرفة» مثل علماء الجيولوجيا والكيمياء ومهندسي البرامج الحاسوبية، يعني ذلك تطوير مهارات تقنية يمكن أن تكون مفيدة في ميادين أخرى مثل تكنولوجيا المعلومات أو الأدوية أو الرعاية الصحية أو المالية. أما بالنسبة للمديرين، فيعني إنشاء شبكة من المعارف والمصادر المهنية خارج قطاع النفط والغاز. والتحول من الصناعة النفطية قد يعني الانتقال إلى مكان آخر، ولكن الأرجح أن مدينة مثل هوستن ستكون قادرة على استغلال التركزات الحالية لرأس
المال البشري في جذب صناعات جديدة. وفي ظرف عقدين، يمكن أن تصبح هوستن مشهورة كمركز للتكنولوجيا البيولوجية.
غير أن العمال ذوي المهارات المتدنية وبلدات التكسير الهيدروليكي ستجد صعوبة أكبر في الوقوف على أقدامها. وخلافاً لصناعة الفحم، التي تقلصت على مدى السنوات إلى نحو 50 ألف عامل فقط، فإن قطاع النفط والغاز في الولايات المتحدة يوظّف أكثر من 700 ألف عامل. وعلى غرار عمال القطاع الصناعي الذين فقدوا وظائفهم بسبب المنافسة الصينية خلال العقد الأول من هذا القرن، أو عمال البناء الذين سُرّحوا خلال «الركود الكبير»، سيجد هؤلاء العمال صعوبة في إيجاد وظائف جديدة بأجور مماثلة.
مسيرة التكنولوجيا تعني أن أيام النفط باتت معدودة. ومن أجل مصلحة كوكبنا، ينبغي أن يتم التحول بأسرع وقت ممكن. غير أن ذلك لا يعني أن الأشخاص الذين وهبوا حيواتهم لاستخراج الطاقة من الأرض ينبغي أن يعانوا.
*أستاذ المالية بجامعة ستوني بروك الأميركية سابقاً
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»