يريد الرئيس دونالد ترامب أن يعلم الجميع أنه، رغم قراره مؤخراً الانسحاب عسكرياً من مناطق السيطرة الكردية في سوريا، فهو يعتزم «السيطرة على النفط» هناك واستخدام الجنود الأميركيين لهذه المهمة. غير أنه إذا فعل ذلك، سيؤسس لسابقة خطيرة، وقد تكون سبباً في حرب غير محسوبة العواقب. فالسيطرة على نفط سوريا يمكن أن تشكّل استيلاءً على أملاك الغير خلال الحرب، وهو ما تحظره المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية لاهاي لعام 1907 التي تنص على أن «نهب مدينة أو مكان هو أمر محرّم، حتى عندما تتم السيطرة عليها بهجوم». وهذا التحريم منصوص عليه في قوانين الحرب والعدالة الجنائية الدولية، وفي القانون الفيدرالي الأميركي، بما في ذلك كعقوبة للاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية، مثل النفط من مناطق الحروب.
ترامب يشير إلى أن أحد أسباب الاستيلاء على النفط السوري هو الرغبة في «تأمينه» ومنع الأعداء من الوصول إليه. وقد يبدو هذا أمراً ذكياً من الناحية العسكرية، لكن من الناحية العملية لا يبدو أن أعداء الولايات المتحدة، مثل تنظيم «داعش»، يمتلكون الوسائل الضرورية لاستغلال النفط السوري. ومثلما تؤكد روبن رايت من مجلة «ذا نيويوركر»، وفق حواراتها مع خبراء في شؤون الشرق الأوسط، فإن «التنظيم الإرهابي ليس قوياً بما يكفي للسيطرة على حقول النفط السورية وإدارتها من جديد».
لكن السبب الأكثر خطورة الذي يدفع به ترامب هو تصوره للنفط كتعويض مادي لاستثمار الجيش الأميركي في الشرق الأوسط. ففي خطاب له الاثنين الماضي، قال: «إننا نريد السيطرة على النفط. 45 مليون دولار في الشهر؟ سيطروا على النفط». يعكس هذا شعوراً عبّر عنه ترامب لقناة «إيه بي سي نيوز» في عام 2011 حول النفط العراقي، إذ قال: «إذا فزت بالحرب، فإنك تأخذه.. إنك لا تسرق أي شيء.. بل سنستعيد 1.5 تريليون دولار من أجل تعويض أنفسنا». بيد أن هذه الحجة تتجاوز فكرة تأمين النفط وتجازف باستدعاء المسؤولية عن صفة أخرى.
والواقع أن لا شيء من هذا يمثّل طريقة تفكير جديدة بالنسبة لترامب: فحين كان مواطنا عادياً في عام 2011، علّق على التدخل العسكري الأميركي في ليبيا، في حوار مع صحيفة «وول ستريت جورنال»، فقال: «إنني مهتم بليبيا فقط إذا أخذنا النفط. أما إذا لم نأخذ النفط، فإنني لست مهتما بها». وفي ما يتعلق بالعراق، قال: «كنت أسمع دائماً أنه عندما دخلنا العراق، فإننا ذهبنا من أجل النفط. فقلت: هذا يبدو عملاً ذكياً». وفضلاً عن ذلك، فقد بدا أن ترامب شعر بخيبة أمل خلال إعلانه المتلفز عن قتل زعيم تنظيم «داعش»، أبو بكر البغدادي، قبل أسبوعين، عندما عاد إلى موضوع النفط وقال متحسراً: «لقد كنتُ أقول دائماً: إذا كانوا سيدخلون العراق، فسيطروا على النفط. لكنهم لم يفعلوا ذلك، لم يفعلوه».
وفي حالة الولايات المتحدة، بشكل خاص، قد يجعل تطبيق هذه السياسة الجيش الأميركي يبدو مثل أولئك الأشخاص الذين يستفيدون من الحروب ويغتنون منها في مناطق النزاعات الخارجية. وبشكل عام، يستدعي تبني مقاربة ترامب المعلَنة تأبيد حروب الموارد التي تخلق محفزات للعنف من طرف المتقاتلين حول العالم، بكلفة بشرية باهظة جداً. وهذا أحد الأسباب التي تفسر لماذا تم التنصيص على حظر النهب، تاريخياً، في قوانين الحرب، ولماذا طبّقت عدد من المحاكم الحظر على الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية خلال الحرب.
وكان الرئيس أبراهام لينكولن قد كلّف فرانسيس ليبر بإعداد مدونة قوانين تطبق على الحرب الأهلية، تسمى رسمياً «تعليمات لحكومة جيوش الولايات المتحدة في الميدان»، وتعرف بـ«قانون ليبر». وهي تحظر، من جملة ما تحظر، «كل أعمال النهب». وبعد الحرب العالمية الثانية، أدانت المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرج وزيرَ الاقتصاد في الرايخ النازي ورئيس شركة «كونتينانتل أويل»، فالتر فونك، بسبب نهب النفط المستولى عليه من مواقع عبر أوروبا المحتلة. وبالمثل، وجدت المحكمة العسكرية الأميركية في نورمبرج أن بول بليجر، وهو مدير شركة نصّبه جيش الاحتلال الألماني، وأشرف على نهب الفحم وخام الحديد من المناجم في بلدان احتلت إبان الحرب، مذنب ومدان. كما وجد قاض في محكمة استئناف في سنغافورة أن استيلاء اليابان على مخزونات نفط من جزر الهند الشرقية الهولندية خلال الحرب شكّل «نهباً اقتصادياً».
بيد أنه في حال استولى ترامب بالفعل على نفط سوريا، فإن الأمر سيقابل بمعارضة جدية من عسكريين وموظفين وسياسيين أميركيين كبار. وفي هذا السياق، قال برِت ماكغُرك، مبعوث ترامب السابق إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش»: «إن النفط ملك للدولة السورية، شئنا أم أبينا». ومن جانبه، لخّص الجنرال المتقاعد باري ماكافري الرهان في تغريدة على تويتر جاء فيها:
«بعد أن ردّد لازمته حول (أخذ النفط) خلال منتدى للمرشحين الرئاسيين في عام 2016، قالت منافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، إن الولايات المتحدة لا تغزو بلداناً أخرى من أجل النهب والسرقة». ولا شك أن الأحداث الأخيرة تمثّل اختباراً لتلك القيم الأميركية.
جيمس ستيوارت*
*أستاذ بكلية القانون في جامعة بريتيش كولومبيا الكندية، ومدع عام سابق في جرائم الحرب، ومؤلف كتاب «جرائم حرب الشركات»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»