رغم أن الكثير من تفاصيل العداء المتنامي بين الكونجرس ومدير الاستخبارات الوطنية بالإنابة، جوزيف ماغواير، ما زالت سرية، فإن تداعيات ذلك مقلقة جداً. ففي الصيف الماضي، اشتكى مبلِّغ عن الانتهاكات للمتفش العام لأجهزة الاستخبارات الأميركية من «انتهاك» مفترض للقانون، و«سوء استخدام» السلطة. وبدوره، نصح المفتش العام مديرَ الاستخبارات الوطنية بالإنابة، ولاحقاً لجنةَ الاستخبارات في مجلس النواب، بأن الشكوى ذات مصداقية و«عاجلة»، ما يعني أنها تتعلق بشيء «خطير وفاضح».
ووفق قانون سُن في 2010، فإن مثل هذه المسائل يجب تبليغ الكونجرس بها؛ لكن ماغواير لم يقم بذلك، ما دفع لجنة الاستخبارات في مجلس النواب لتوجيه استدعاء ورسالتين علنيتين تطالب فيها بتقديم معلومات للكونجرس. وفي رده على ذلك، وجّه ماغواير (عبر مفتشه العام) رسالتين، أكد فيهما أن المسألة غير «عاجلة»، وأنها «تتعلق بشخص خارج أجهزة الاستخبارات»، وبـ«مسائل سرية مرتبطة بمصالح أطراف أخرى داخل الجهاز التنفيذي». ولهذه الأسباب، أشارت رسالتا ماغواير إلى أنه ليست ثمة حاجة لتبليغ للكونجرس، لكنهما أوضحتا أن مدير الاستخبارات الوطنية بالإنابة «يبحث» الرد المناسب وأنه التزم بالعمل مع اللجنة للوصول إلى «تسوية مقبولة». كما أشار مدير الاستخبارات الوطنية بالإنابة إلى أن خلاصات ذلك تم التنسيق بشأنها مع وزارة العدل.
ومع الوقت، قد يتم التوصل لتسوية بين ماغواير والكونجرس، يُطلع من خلالها الأولُ الأخيرَ على شكوى المبلِّغ أو فحواها؛ غير أن أحداث الخميس لم تقرّبنا على ما يبدو من تسوية؛ وهكذا، يبقى الطريق مسدوداً، مما يطرح ثلاث مشكلات على الأقل.
أولاً؛ الطريق المسدود يثني الناس عن التبليغ القانوني عن انتهاكات مفترضة. فهذا المبلِّغ يبدو أنه حاول جاهداً الالتزام بالقوانين على اعتبار أنه بلّغ المفتشَ العام بدلاً من أن يبلّغ الكونجرس مباشرة أو وسائل الإعلام. لكن المكافأة كانت إحجام ماغواير عن الإفراج عن المعلومات. ورغم أن ماغواير تعهد بحماية المبلِّغ من أعمال انتقامية، فسيكون من الصعب الوفاء بذاك التعهد، على الأقل في عهد الإدارة الحالية، وخاصة في حال كانت الشكوى تتعلق بمسؤولين سياسيين في البيت الأبيض. وبالتالي، وبناءً على ما رأيناه حتى الآن، فإن المبلِّغين المقبلين قد يصبحون أكثر تردداً في التبليغ عن خروقات مفترضة من خلال القنوات الرسمية، ما يترك إمكانية إساءة التصرف من دون حل.
ثانياً؛ بعض أعضاء أجهزة الاستخبارات الذين يجدون أنشطة يعتقدون أنها تتنافى مع القانون، قد يكونون الآن أكثر ميلاً لنقل تخوفاتهم إلى وسائل الإعلام مباشرة. ذلك أنه إذا أدّت القنوات الرسمية إلى طريق مسدود، فإن القنوات غير الرسمية ستصبح أكثر جاذبية للتنفيس عن التخوفات والتظلمات. لذا قد نتكبد أضراراً جانبية كبيرة وغير ضرورية من الموقف الذي اتخذه مدير الاستخبارات الوطنية بالإنابة.
ثالثاً؛ إذا لم يتسن التوصل لتسوية مُرضية بين الأجهزة، وهو أمر محتمل جداً حين تتعلق الشكوى بلاعبين سياسيين، فإن الإشراف الأكثر احتمالاً للكونجرس على الاستخبارات، سيصبح شبيهاً بجلسة الاستماع التي عُقدت للاطلاع على شهادة كوري ليفاندوفسكي هذا الأسبوع، حيث رفض الشاهد الإجابة عن الأسئلة، وكان يتحدث أثناء طرح المشرّعين أسئلتهم، وألقى ما يشبه المحاضرة على نائب في الكونجرس، بل وذهب لحد الترويج لترشحه الممكن لمجلس الشيوخ الأميركي.
والحال أن المخاطر التي ينطوي عليها ذلك كبيرة جداً. ومثلما كتب ديفيد كريس في مدونة «لوفير»، فإن الإشراف على الاستخبارات في هذا البلد «تطوّر من لا شيء تقريباً (1947-1976)، إلى إشراف سري بالوكالة من خلال نخبة من أعضاء الكونجرس (1976-2013)، إلى شيء أقرب إلى المحاسبة السياسية العادية (من 2013 إلى اليوم)». وهذا التطور يتلاقى مع تحول جذري أيضاً في مشهدنا السياسي، حيث يسعى لاعبون حزبيون كثيرون اليوم وراء امتيازات، عبر رفض مؤسسات وقوانين أساسية، بينما يرد جزءٌ مهمٌ من الناخبين على ذلك بفرح عدمي. والحال أن هذا التلاقي خطير جداً لأن تلك المؤسسات والمعايير تمثّل جزءاً رئيسياً مما يكبح جماح أجهزة الاستخبارات ويبقيها تحت المراقبة.
وخلاصة القول هي أن إشراف الكونجرس على أنشطة الجهاز التنفيذي وسيلةٌ دستورية مهمة جداً للحفاظ على ديمقراطيتنا. وهو مهم خاصة بالنسبة لأنشطة الأجهزة الاستخباراتية، لأنها تتألف من منظمات سرية تشتغل في نظام ديمقراطي. غير أن أعمال مدير الاستخبارات الوطنية بالإنابة يمكن أن تُضعف ذاك الإشراف، ونظرة الجمهور للاستخبارات نفسها.
 
مايكل مورل* وديفيد كريس**

*نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من 2010 إلى 2013، وكان مديراً لها بالإنابة مرتين
**المدعي العام المساعد لشؤون الأمن الوطني من 2009 إلى 2011
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»