حين كنت أعمل صحفياً، أحببت حجة القاضي أوليفر ويندل هولمز الابن، التي مفادها أن الدستور الأميركي وتعديله الأول عليه لا تقتصر حمايتهما على «حرية التفكير لمن نتفق معهم، بل كذلك حرية التفكير لمن نكرههم». لكن حين كنت مسؤولاً حكومياً أسافر حول العالم مدافعاً عن فضائل حرية التعبير، أدركت مدى انحراف معيار التعديل الأول.
صحيح أن التعديل الأول يحمي «أفكار من نكرههم»، لكنه يجب ألا يحمي خطاب الكراهية الذي قد يتسبب في عنف من جماعة ضد أخرى. وفي عصر يمتلك فيه الجميع مكبر صوت، يبدو هذا كما لو أنه عيب في التصميم. ففي الأسابيع السابقة على انتخابات 2016 الرئاسية، زُرعت قصص كاذبة وانتشرت بشكل فيروسي على تويتر وفيسبوك، وكل هذا بحماية التعديل الأول.
قام التعديل الأول، الذي وُضع لحقبة تاريخية كانت أكثر بساطة، على فكرة أن الحقيقة ستفوز في نهاية المطاف في وسط ما وصفه قاضي المحكمة العليا وليام جيمس بـ«سوق الأفكار». لكن نموذج سوق الأفكار له تاريخ طويل يمتد إلى المفكر الإنجليزي جون ميلتون من القرن السابع عشر. وعلى مدار كل هذه الفترة لم يفسر لنا شخص قط الكيفية التي تطرد بها الأفكار الجيدة الأفكار السيئة، وكيف تنتصر الحقيقة على الكذب؟ وكان ميلتون من المعارضين المبكرين للرقابة، وقد اعتقد أن الحقيقة تسود في «مواجهة حرة ومفتوحة». وبعد مرور قرن، اعتقد الآباء المؤسسون أن سوق الأفكار هذه ضرورية للناس، كي يتخذوا قرارات بناء على معلومات في نظام ديمقراطي. وكان الافتراض هو أن السوق توفر ساحة سباق مستوية. لكن في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، الساحة ليست مستوية ولا عادلة. وعلى الإنترنت لا يجري دعم الحقيقة ولا يكفي التصدي للأكاذيب بالحقيقة، والحقيقة لا تفوز دوماً. وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لا يجدي نموذج السوق نفعاً. وقد أظهرت دراسة لجامعة ستانفورد (عام 2016) أن 82% من طلاب مراحل التعليم المتوسط لا يستطيعون التمييز بين إعلان يتمتع برعاية وبين قصة إخبارية «محايدة». وربع طلاب المدارس العليا لا يستطيعون التمييز بين موقع أنباء حقيقي وبين حساب مزيف.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، أقرت دول كثيرة قوانين لكبح إثارة الكراهية العرقية والدينية. وهذه القوانين بدأت كوسيلة للحماية ضد معاداة السامية. ونحن نطلق عليها قوانين خطاب الكراهية. لكن ليس هناك تعريف متفق عليه لما يعنيه خطاب الكراهية. وعموماً، فخطاب الكراهية هو خطاب يهاجم ويهين الناس على أساس العرق والدين أو غيرهما. وأعتقد أنه حان الوقت للنظر في هذه التشريعات. والمعيار الجديد للخطاب الخطير مستمد من قضية براندبورج ضد أوهايو عام 1969، ويؤكد أن الخطاب الذي يحرض على «عمل وشيك لا يلتزم بالقانون» أو يُرجح أن يؤدي إلى هذا قد يجري تقييده. والإرهابيون في الداخل مثل ديلان روف وعمر متين ومطلق النار في مدينة الباسو بولاية تكساس العام الجاري.. كانوا من مستهلكي خطاب الكراهية. الكراهية لم تطلق النار، لكن هل من شك في أن خطاب الكراهية خلق مناخاً لارتكاب هذه الأفعال؟
إن خطاب الكراهية يقلص التسامح، ويبيح التمييز.. كما يقوض القيم التي قُصد بالتعديل الأول أن يحميها، أي العدالة وحق الدفاع والمساواة أمام القانون. لماذا لا تجرب الولايات تشريعات خاصة بها لمعاقبة الخطاب الذي يهين الناس على أساس الدين أو العرق؟ حين لا تستطيع الحقيقة طرد الأكاذيب يتعين علينا إضافة ضوابط جديدة لحماية القيم في سوق نزيه للأفكار.

*مؤلف كتاب «حروب المعلومات» ووكيل وزارة الخارجية بين عامي 2013 و2016
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»