لا شك أن موت أبو بكر البغدادي يمثل خبراً ساراً بالنسبة لمن يحاربون الإرهاب، وذلك لأن زعيم تنظيم «داعش» مسؤول عن تنفيذ عدة هجمات عبر العالم كله تقريباً. غير أنه ينبغي عدم الإفراط في التفاؤل الذي أبداه البعض عند الإعلان عن موته، ذلك أن موت البغدادي ليس نهاية الكفاح ضد الإرهاب، وهذا الأخير سيواصل محاولة ضرب العالم من جديد بأشكال مختلفة.

لقد تلقى تنظيم «داعش» ضربة قوية إذن، ولكن هذا لا يعني أنه دُحر بشكل نهائي، وذلك لأن زعيماً جديداً سيخلف بكل تأكيد البغدادي، الذي لم يكن سوى زعيم اختير لعدم وجود بديل آخر. المهم هو أن الظروف التي أسهمت في ظهوره لم تتغير كثيراً. فالعراق ما زال فريسة للفوضى: ذلك أن الدولة المركزية فاسدة وعاجزة عن تلبية احتياجات السكان الأساسية والأولية. الخبر السار هو أن المجتمع المدني يريد إسماع صوته ويحتج بطريقة جماعية ضد فساد الزعماء العراقيين. ولا شك أن رؤية احتجاج متعددة الأشكال والمطالبة بالشفافية من جانب السكان المنهَكين أسهل وأبسط من رؤية أشخاص يلجؤون إلى هجمات. غير أنه منذ 2003، سقط البلد في الطائفية وأعمال العنف. ورغم أن البلد غني جداً، فإن احتياجات شعبه الأولية لا تُلبى.
أما في سوريا، فإنه أمام هذا التهديد الإرهابي، يجب محاربة تأثيرات كل النزاعات التي لم تُحل ومعالجة أسبابها: هذه الحكومات التي لا تهتم بشعبها وبمصلحته، والتي لا تفكر في مستقبل بلدها. ذلك أنه إذا لم تعالَج تلك التأثيرات والأسباب، فإن مقاتلين آخرين سيظهرون لتعويض الإرهابيين القتلى.
دونالد ترامب أنجز عملية تواصل ممتازة. فبينما كان يتعرض لانتقادات لاذعة بسبب تخليه عن المقاتلين الأكراد السوريين الذين لعبوا دوراً حاسماً في محاربة «داعش»، ما منع التنظيم من الاستمرار في السيطرة على بعض المناطق، بات الرئيس الأميركي الآن قادراً على إعلان النصر. فقد قتل البغدادي، واضطلع، بالتالي، بدور أساسي في محاربة الإرهاب يتجاوز، وفق خطابه، ما حققه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مع موت بن لادن. ولئن كان قراره بسحب الجنود الأميركيين من سوريا قد تعرّض لانتقادات شديدة، فإنه بات قادراً الآن على أن يقول للشعب الأميركي: (انظروا، لقد انتقدني جميع «الديمقراطيين»، ولكنني نجحتُ في قتل البغدادي). ومن جهة أخرى، فإن الرأي العام الأميركي يؤيد في معظمه سحب القوات الأميركية. غير أن تصريحات ترامب كانت تنطوي على إفراط ومبالغة ويمكن أن تؤجج رغبة أنصار البغدادي في الانتقام. ولكن ترامب يسخر من ذلك. ويوم موت الإرهابي، ألقى خطاباً انتخابياً كان موجهاً إلى ناخبيه، وليس إلى بقية العالم. وسنرى إن كان هذا الأخير سيساعده على إعادة الانتخاب في نوفمبر 2020.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس