في سياق الأحداث العربية، خصوصاً في حالتي بغداد ولبنان، ينقل لنا التاريخ أن هنالك دائماً من يستجلب الخراب للبلاد والعباد، ودائماً هنالك مخربون أشبه ما يكونون بالسوس الذي ينخر أساسات كل بنيان حتى يتهدّم، وكل جميل حتى يتشوّه وينتهي، والمخربون الذين يأتون في أكثر من شكل وغطاء وشعار، تحسبهم كسائر الناس يسعون إلى الخير والإعمار، لكنهم أصحاب أجندات إقليمية وخارجية على علاقة جيدة بالخبث والسوء، مهمتهم الرئيسية استهداف الوطن والإنسان، هؤلاء أخطر من ديدان الأرض التي تضرب الجذور، وتستهدف حتى نهوض الأمم وسيادة دولها، ولا غرابة في مثل هذه التشبيهات، فليس هنالك أكثر أهمية من التاريخ في هذا السياق ليكون شاهداً ومعلماً، فيكفي العلم أن فأراً خرَّب سد مأرب، ليدفع هدمه أمة العرب إلى نزوحها الأول في التاريخ.
بزيارة خاطفة إلى التاريخ السياسي في سياق الحديث، نجد أنه في عام 1970م أقرت كوبا قانوناً يمنع مواطنيها من الهجرة إلى الولايات المتحدة، خشية أن تجندهم المخابرات الأميركية، وتضمهم إلى ما كان يُعرف بـ(جيش كوبا الحر) المناوئ لنظام حكم الرئيس فيدل كاسترو. فحاولت أميركا إحراج كوبا بتصريح مدروس عام 1980م، جاء على لسان رئيسها جيمي كارتر: «إن أيادي أميركا مفتوحة لجميع الكوبيين، وأنهم سوف يتحصلون على رواتب ومنازل مجانية»، ومن ضمن ما قصد بذلك، رفد جيش المعارضة الكوبي بعناصر جديدة، لكن بعد سماع التصريح في هافانا، جاء الرد بتصريح من كاسترو، بعد أن وجه بتجهيز 600 قارب في ميناء هافانا، قال: «إن القوارب جاهزة، من يريد أن يذهب لأميركا فليذهب»، فاحتشد ما يزيد على 125 ألف كوبي، وركبوا القوارب متجهين إلى ميامي بولاية فلوريدا، وهنا كانت المفاجأة الطامة، هالت حشود المهاجرين الكوبيين أميركا، فامتنعت عن استقبالهم، وتركتهم لأسابيع في البحر أمام مرأى ومسمع العالم، ليتوفى العشرات منهم، أغلبهم من كبار السن والأطفال والنساء، وتحت الضغط العالمي الشديد على أكثر من مستوى، قررت أميركا وضعهم في ملاجئ جزيرة (جوانتانامو) الكوبية، كان هذا في الجانب الأميركي، أما على الجانب الكوبي، فبعد هذا الخروج الكبير- كما نقلت التقارير الصحفية - انتعش الاقتصاد الكوبي بعد فترة ركود، وحقق فائضاً تجارياً لافتاً رغم الحصار، فيما تطور قطاعا التعليم والصحة على نحو متسارع. خرج كاسترو، ليقول مقولته الشهيرة (هؤلاء الديدان لقد كانوا أميركيين وهم بيننا)، أما في أميركا، فالقصة لم تهدأ إعلامياً وسياسياً، فتعرّض الرئيس جيمي كارتر لانتقادات شديدة، بسبب تصريحه (غير المناسب) الذي تسبب لاحقاً في خسارته في انتخابات الإعادة - المرحلة الرئاسية الثانية - ليخلفه الرئيس رونالد ريجان، الذي انتقد في أول خطاب له سلفه كارتر، بمقولة تداولها السياسيون في أدبياتهم، قال: (لو بقي هؤلاء المهاجرون في كوبا لسقط كاسترو)، لا يخلو وطن من مثل هذه (الديدان)، التي تسعى في خرابه وقتل أبنائه، ويكون في خروجهم أو التخلص منهم، راحة للبلاد والعباد.
ويكفي هنا، أن نراقب عن كثب ما الذي يجري في عاصمتين عربيتين، هما بغداد وبيروت، من نقمة شعبية على كل شيء، بدءاً من الطبقة السياسية الحاكمة، وفقاً للمحاصصة الحزبية المدمرة، لنلاحظ من الذي يتصدّر قائمة المفسدين، ومن الذي يتصدّر قائمة المخربين؟ ويصرُّ على السباحة ضد تيار الشارع المستصرخ لكل حر، هنالك فارق كبير بين تنمية الفساد بدلاً من تنمية الأوطان، وبين تنمية الثروات الشخصية القائمة على النهب والسرقة بدلاً من تنمية الإنسان وتأهيله وتسليحه كونه الحاضر والمستقبل، مقطع القول: أليس في بعض حكامنا العرب من يجعل أسوته في دول الخليج العربية في التنمية، وصناعة الإنسان، وإنهاض الشعوب لتعيش مستقبلها في الحاضر ؟
* إعلامي وكاتب صحفي