من الصعب أن نصدق أن خمسة أسابيع مرت، منذ أن أصدر «آدم شيف» رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي استدعاءً غامضاً للقائم بأعمال مدير الاستخبارات القومية يطالبه بأن يقدم شكوى تقدم بها شخص من مجتمع الاستخبارات. ومنذ صدور مذكرة الاستدعاء، مضت مساءلة دونالد ترامب من عدم الاستساغة إلى ما يقرب اليقين. وأنا، على الأقل، رأيت صعوبة في ألا يستطيع مجلس النواب مساءلة الرئيس مع الأخذ في الاعتبار ما نعرفه بالفعل عما فعله ترامب. ومازال الاقتناع في مجلس الشيوخ بعيد المنال، لكنه ليس كما كان يبدو الأمر عليه لفترة طويلة مضت.

ونبرة حديثنا القومي برمته تغيرت. والأمر يبدو لي كما لو أننا نشهد انهياراً سريعاً لفصيل قوي في الحياة العامة الأميركية. فصيل كان رفضه لقبول الحقائق التي تتعارض مع تحيزاته يمثل مصدراً رئيسياً لفترة طويلة من الخلل الوظيفي السياسي. لكنني لا أتحدث عن المتطرفين من الجناح «اليميني» الذين يهيمنون على الحزب «الجمهوري». إنهم كما هم. ومعظم قاعدة ترامب ملتصقة به. وقائمة السياسيين «الجمهوريين» البارزين الراغبين في وصف سوء تصرف ترامب بلغة واضحة ليس فيها أحد حتى الآن إلا ميت رومني.
إنني أتحدث عن المتعصبين الوسطيين الذين لا يمثلون شريحة كبيرة من جمهور الناخبين، لكنهم لعبوا دوراً غير متناسب في رأي النخب والتغطية الإعلامية. هؤلاء يمثلون الأشخاص الذين ربما كانوا يرغبون في الإقرار بأن ترامب شخص سيئ، لكنهم تمسكوا- على خلاف ما تشير إليه الأدلة- بأن حزبينا الكبيرين سواء في الأساس، يشبهان بعضهما بعضاً. فكل حزب لديه متطرفوه وكل حزب لديه معتدلوه أيضاً، وكل شيء سيكون على ما يرام إذا عمل المعتدلون من الجانبين معاً. عمن أتحدث؟ إنني أتحدث عن أشخاص مثل جو بايدن الذي أصر مراراً على أن ترامب يمثل انحرافاً، ولا يمثل الحزب «الجمهوري» ككل.
بعضنا رفض وجهة النظر القائمة منذ سنوات، والتي تجادل بأن الحزب «الجمهوري» الحالي أصبح قوة رجعية تتزايد معارضتها للديمقراطية. فقد كتبت في عام 2003 أن التوجه المحافظ الحديث يمثل «حركة لا يقبل زعماؤها مشروعية نظامنا السياسي الحالي». وفي عام 2012، أعلن توماس مان ونورمان أورنستين أن المشكلة المحورية في السياسة الأميركية هي أن الحزب «الجمهوري»، ليس متطرفاً فحسب، بل «يرفض أيضاً مشروعية المعارضة السياسية»
فقد أصبح «الجمهوريون» يتزايدون سلطوية، وينتهكون باستمرار الأعراف الديمقراطية. ومن تمسك بهذه الحجة لفترة طويلة أصبح ينظر إليه على أنه صوت ناشز أو مختل. وحتى صعود ترامب والتشابهات الواضحة بين نهج ترامب والحركات السلطوية التي دمرت الديمقراطية في بلدان مثل المجر وبولندا، لم تؤثر كثيراً في رضا الوسطيين عن أنفسهم. وتذكروا أنه قبل شهور قليلة، عاملت معظم وسائل الإعلام الملخص شديد التضليل للنائب العام الأميركي وليام بار عن تقرير مولر بأنه موثوق به. لكن لدي شعور- لا يمكن تحديده كميا بحال من الأحوال- أن أحداث الأسابيع القليلة الماضية كسرت أخيراً جدار الإنكار لدى الوسطيين. دعا ترامب قوى خارجية للتدخل في السياسة الأميركية لصالحه، وفعل هذا أمام الكاميرات. نعم، لقد زعم أن خصومه السياسيين المحليين يرتكبون الخيانة بممارسة حقهم الدستوري في المراقبة، وهو يتوق بشكل واضح لاستخدام النظام القضائي لتجريم الانتقادات. ومن شأن السياسيين الذين يؤمنون بالقيم الأميركية أن يشجبوا هذا السلوك، حتى لو جاء من زعيمهم. لكن «الجمهوريين» التزموا الصمت على أفضل الأحوال، وكثيرون منهم عبروا عن التأييد. وهكذا أصبح من الواضح تماماً أن الحزب «الجمهوري» ليس حزباً سياسياً عادياً. إنه مقابل أميركي لحزب «فيديس» المجري أو حزب «القانون والعدل» البولندي، أي أنه نظام سلطوي يتأهب.
ويحدوني أمل في أن يتحرك أخيراً كل الذين أنفقوا سنوات في إنكار هذا الواقع. ومن المهم فهم أن الحزب «الجمهوري» لم يتغير فجأة، وأن ترامب لم يستطع بطريقة ما إفساد حزب كان سليماً في الأساس قبل أن يحل عليه. وأي شخص روعه إيمان «الجمهوريين» بنظريات المؤامرة الغريبة عن الدولة العميقة، ربما كانوا في سبات أثناء سنوات كلينتون ولم ينتبهوا حين قرر معظم «الجمهوريين» أن تغير المناخ خديعة من عصابة سرية علمية عالمية هائلة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/10/07/opinion/republicans-trump-moderates.html